روى أبو داود (3987)، والترمذي (3658)، وابن ماجه (96)، وغيرهم: عَنْ عَطِّيَةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لَيَرَاهُمْ مَنْ تَحْتَهُمْ، كَمَا تَرَوْنَ النَّجْمَ الطَّالِعَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ؛ وَأَنْعَمَا ).
ولفظه عند أبي داود: ( إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ لَيُشْرِفُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتُضِيءُ الْجَنَّةُ لِوَجْهِهِ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ - قَالَ: وَهَكَذَا جَاءَ الْحَدِيثُ دُرِّيٌّ مَرْفُوعَةٌ الدَّالُ لَا تُهْمَزُ - وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمِنْهُمْ وَأَنْعَمَا ).
وقال الترمذي: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ".
وعطية العوفي ضعيف.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
" عطية بن سعد العوفي، الكوفي، تابعي مشهور: مجمع على ضعفه " انتهى. "المغني في الضعفاء" (2 / 436).
وقد صح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بلفظ الغرف، ومن غير ذكر لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
روى البخاري (3256)، ومسلم (2831): عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: ( إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَونَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَما يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ ما بَيْنَهُمْ.
قَالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لا يَبْلُغُها غَيْرُهُمْ؟
قالَ: بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ ).
فثبت وجود غرف عالية لثلة من أهل الإيمان.
وثبت أيضا أن أعلى الجنة هي جنة الفردوس.
كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الجَنَّةَ، جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا.
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلاَ نُبَشِّرُ النَّاسَ؟
قَالَ: إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ - أُرَاهُ قال: وفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ - وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ ) رواه البخاري (2790).
وهل هذه الغرف من الفردوس أو لا؟ هذا أمر علمه عند الله تعالى، فهو من أمور الغيب، ولم نقف على نص يفصّل هذا الأمر.
فيمكن أن تكون هذه الغرف من ضمن جنة الفردوس، ويمكن أن تكون الفردوس أعلى منها، لكنها عالية بالنسبة لسائر الجنان.
سُئِل الشيخ عبد الرحمن البراك:
"فهل نجزمُ بأنَّ أهلَ الغرفِ المذكورينَ في هذا الحديثِ هم أصحابُ الفردوسِ الأعلى، بحكمِ وصفِ النَّبيِّ للفردوسِ الأعلى بقولِهِ: (فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ)؟
فأجاب:
يَحتملُ هذا، ويحتملُ أنَّ هذه الغرفَ دونَ الفردوسِ الأعلى؛ لأنَّ الغرفَ بعضُها أعلى مِن بعضٍ، فلا نجزمُ أنَّ هذهِ الغرفَ الَّتي ذُكِرَتْ في الحديثِ أنَّها أعلى الجنَّةِ مطلقًا، لكن ندركُ أنَّها رفيعةٌ، رفيعةٌ جدًّا بالنِّسبةِ للرَّائي في الدَّرجاتِ الَّتي دونَهُ، قد يكونُ أهلُ الغرفِ هؤلاءِ الَّذي أخبرَ الرَّسولُ عن ارتفاعِها وعلوِّها، قد ينظرونَ إلى غرفٍ فوقَهم كذلكَ. واللهُ أعلمُ، لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: ( غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ ) [الزمر:20].
فلا نجزمُ أنَّ هذهِ الغرفَ المذكورةَ في الحديثِ أنَّها أعلى الجنَّةِ مطلقًا، بل ندركُ أنَّها عليَّةٌ ورفيعةٌ بالنِّسبةِ لمَن هم دونَهم، رفيعةٌ جدًّا، ويمكنُ أنْ يكونَ من فوقَهم من يكونُ كذلك " انتهى. من "موقع الشيخ".
والخلاصة:
الثابت أن جنة الفردوس هي أعلى الجنان.
وثبت أيضا أن في الجنة غرفا عالية تكون لثلة من أهل الإيمان، لكن لم يرد ما يبين مكان هذه الغرف، هل هي من الفردوس أو أن الفردوس أعلى منها.
والله أعلم