الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

والدتها تظلم الخَدم ولا تستجيب للنصيحة

59990

تاريخ النشر : 05-03-2005

المشاهدات : 16548

السؤال

لدي والدة طبيعتها قاسية بعض الشيء ، تعامل الخدم بقسوة لأنها مرت بتجربة مع الخدم جعلتها لا تثق فيهم ، وإذا ما نصحتها تغضب عليَّ وتقول : إني أفضِّل الخادمة عليها ، فلا أستطيع أن أتكلم إذا ما فعلتْ في الخادمة شيئاً ، ولا أستطيع أن أسكت لأني أراها تظلمها فماذا عليَّ أن أفعل ؟.

الجواب

الحمد لله.

إذا دعت المسلمَ قدرتُه إلى ظلم من جعله الله تحت ولايته وسلطانه من خادم ، أو عامل ، أو رعية : فليتذكر قدرة الله عليه .

عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال : كنتُ أضرب غلاماً لي بالسوط فسمعتُ صوتاً من خلفي : ( اعلم أبا مسعود ) فلم أفهم الصوت من الغضب قال : فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول : ( اعلم أبا مسعود ، اعلم أبا مسعود ) قال : فألقيتُ السوط من يدي ، فقال : ( اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) قال : فقلت : لا أضرب مملوكاً بعده أبداً . رواه مسلم ( 1659 ) .

وقد جعل الله تعالى نبيَّنا محمَّداً صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوةً لنا ، نقتدي ونهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلُقاً مع خدمه ، فلم يكن يعنفهم ولا يضربهم ولو خالفوا قولَه ، وهذا أنس رضي الله عنه كان قد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ووصف لنا هديه في تعامله معه .

فعنه رضي الله عنه قال : خدمتُ النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعتَ ولا ألاَ صنعتَ . رواه البخاري (6690) ومسلم (2309) ، وفي لفظٍ لمسلم : ( ولا عاب عليَّ شيئاً قط ) . وفي رواية أخرى لمسلم (2310) : قال أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أحسن الناس خلقاً فأرسلني يوماً لحاجة فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجتُ حتى أمرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي قال : فنظرتُ إليه وهو يضحك فقال : يا أنيس أذهبتَ حيث أمرتُك ؟ قال : قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ما علمتُه قال لشيء صنعتُه لم فعلتَ كذا وكذا ، أو لشيء تركتُه هلاَّ فعلتَ كذا وكذا .

قال النووي :

وأما قوله : (تسع سنين) , وفي أكثر الروايات (عشر سنين) : فمعناه أنها تسع سنين وأشهر ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين تحديداً لا تزيد ولا تنقض , وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى ، ففي رواية " التسع " لم يحسب الكسر , بل اعتبر السنين الكوامل , وفي رواية " العشر " حسبها سنة كاملة , وكلاهما صحيح .

وفي هذا الحديث : بيان كمال خُلُقه صلى الله عليه وسلم وحُسن عِشرته وحِلمه وصَفحه .

"شرح مسلم" (15/71) .

وقد وردت في السنة المطهرة الحقوق التي يجب أن تؤدَّى إلى العمَّال والأجراء والعبيد الذين يكونون تحت سلطان المسلم وملكه ، وهذه الشريعة العالمية جاءت بما لم تأت به شرائع السماء قبلها ، ولا لحقت بها تشريعات الأرض ، فالواجب على المسلم أن يفخر بانتسابه لهذه الشريعة وأن يبادر للعمل بأحكامها .

عن المعرور بن سويد قال : رأيتُ أبا ذر وعليه حلَّة وعلى غلامه مثلها فسألتُه عن ذلك قال : فذكر أنه سابَّ رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بأمِّه قال : فأتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنك امرؤ فيك جاهلية ! إخوانُكم وخَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه . رواه البخاري (30) ومسلم (1661) .

قال الحافظ ابن حجر :

والخَوَل : هم الخدم سموا بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي : يصلحونها , ومنه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان .

وقوله : " تحت أيديكم " مجاز عن القدرة أو الملك .

وفي الحديث : النهي عن سب الرقيق وتعييرهم بمن ولدهم , والحث على الإحسان إليهم والرفق بهم , ويلتحق بالرقيق من في معناهم من أجير وغيره .

وفيه : عدم الترفع على المسلم والاحتقار له .

"فتح الباري" (5/175) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) رواه البخاري (2114) .

ومن خلال الأحاديث السابقة يمكن أن نجمع حقوق الخادم والآداب التي يجب على المخدوم والسيد أن يسلكها في تعامله معهم ، وهذه الحقوق والآداب هي :

1. أن يُطعم خادمه مما يطعم .

2. أن يُلبسه مما يلبس .

3. أن لا يكلفه ما لا يطيقه ، فإن فعل أعانه عليه .

4. أن يعطيه من الأجر ما يناسب عمله ومجهوده .

5. أن لا يسبه ، ولا يشتمه ، ولا يضربه .

6. أن يحسن معاملته ويكرمه .

7. أن يتجاوز عن خطئه وتقصيره .

فالواجب على أمكِ أن تتقي الله تعالى في تعاملها مع خدمها ، ولتعلم أن الله تعالى أقدر عليها منها على خدمها ، ولتعلم أن الأيام دُوَل ، فلا يؤمن تغير الزمان وسلب النعمة بسبب مثل هذه التصرفات ، لذا ينبغي للمسلم العاقل أن يتفطن لهذا ويتنبه ، ويجب عليه شكر النعمة حتى يزيده الله تعالى من فضله .

ولعل والدتك إذا اطلعت على ما ذكرناه من أحاديث وأحكام وآداب وتنبيهات أن ترجع عن قسوتها وغلظتها مع الخدم ، وأن تتوب لربها ، وتستسمح ممن ظلمتهم ، وأن تكرمهم قبل أن يأتي يوم لا درهم فيه ولا دينار ، إنما هي الحسنات والسيئات ، فكم من مسلم يُتعب نفسه في الدنيا بطاعات وأعمال لكن أجورها قد تضيع عليه في الآخرة بأخذها منه وإعطائها لمن تعدى عليهم في الدنيا بسب أو شتم .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه ) .

رواه البخاري ( 6169 ) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا ، وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيُعطى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) رواه مسلم ( 2581 ) .

والواجب عليكِ نصيحة والدتكِ وتكرار نصحها ، وعدم اليأس من هدايتها وتوبتها ، على أن يكون ذلك برفق ولين ، مراعاة لحق الأم ، فإن حقها عظيم ، ولا تهتمي بغضبها عليكِ ؛ لأنه غير محقة في هذا ، وأنتِ مأجورة إن صبرتِ على ظلمها .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

عن رجل سُرق له مبلغ فظن في أحد أولاده أنه هو أخذه ، ثم صار يدعو عليه ، وهجره ، وهو بريء ولم يكن أخذ شيئاً فهل يؤجر الولد بدعاء والده عليه ؟

فأجاب :

" نعم ، إذا كان الولد مظلوماً : فإن الله يكفِّر عنه بما يظلمه ، ويُؤجره على صبره ، ويأثم من يدعو على غيره عدواناً " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (31/303) .

والله الموفق .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب