لهذه المسألة عدة صور:
1-إذا كان المال المدخر الذي معك مرت عليه سنة هجرية كاملة ، ففيه الزكاة؛ لأنه مال بلغ النصاب وحال عليه الحول .
2-وإن لم تمر عليه سنة هجرية ودفعت منه الإيجار: فلا زكاة فيما دفعته، وإنما تزكي ما بقي معك إن كان يبلغ النصاب.
3-وإذا دفعت الإيجار من المال الجديد، فتلزمك زكاة المال المدخر كاملا إذا حال عليه الحول.
4-وإذا بذلت الإيجار من المال المستفاد الجديد على نية احتسابه من المال المدخر: ففي هذه الحال يكون من المال المدخر كما نويت، ولا تلزمك زكاته، وإنما تزكي ما بقي، ويكون للمال المستفاد حول جديد، وإن شئت أن تزكيهم جميعا معا من باب تقديم الزكاة فهو أيسر لك في الحساب.
ووجه إسقاط الزكاة في المال المدخر في الصورة الرابعة مع أنك دفعت من المال الجديد أمران:
الأول : أن الأعمال بالنيات، وقد نويت أن تكون الأجرة من المال الأول، فهي على ما نويت.
والثاني: أن العلماء يقولون : إن الدراهم لا تتعين بالتعيين .
بمعنى أن جميع الدراهم سواء ، ولا يختلف الأمر عند الإنسان بالنسبة لهذا الدرهم بعينه أو لغيره ، فكلها دراهم يقوم بعضها مقام بعضه ، وليس هناك أي فائدة من تعيينها .
قال الكاساني الحنفي رحمه الله :
"الدَّرَاهِم لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، فَيَقَعُ الْعَقْدُ عَلَى مِثْلِهَا فِي الذِّمَّةِ ، لَا عَلَى عَيْنِهَا" انتهى، بدائع الصنائع (4/140) .
وقال ابن نجيم في البحر الرائق (6/139) : "النُّقُود لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ" انتهى.
وهو رواية عن أحمد ، ذكرها عنه المرداوي في الإنصاف (12/126) .
قال الشيخ الدكتور علي السالوس رحمه الله :
"من المعلوم في عصرنا أن النقود لا تتعين بالتعيين ، فمثلاً : مَن أخذ ألف ريال مِن أحد لإعطائها غيره : فلا يشترط إعطاء الأول الأوراق ذاتها التي تسلمها وهي التي تحمل أرقام كذا ، إنما تبرأ ذمته بإعطاء ألف ريال تحمل أي أرقام ، ومن اشترى سلعة معينة فليس للبائع أن يبدلها ما دامت قد تعينت ، أما المشتري : فله أن يدفع الثمن المحدد دون تعيين أوراق نقدية بعينها : فلو أخرج - مثلاً - عشر ورقات كل ورقة قيمتها مائة ريال ، ثم رأى أن يستبقي هذه الورقات النقدية ويعطي البائع - بدلاً عنها - ورقتين من ذات الخمسمائة : فليس للبائع أن يعترض ، وهذا الذي نراه واضحاً في عصر النقود الورقية ، وهو ما أشار إليه الحنفية في عصر النقود السلعية ، فالدنانير والدراهم لا تتعين بالتعيين ، ومثلها الفلوس الرائجة حيث قالوا : إنها أمثال متساوية فلا تتعين بالتعيين فأي فلس يقوم مقام غيره" انتهى . انظر : "النقود واستبدال العملات" ( ص 73 ، 101 ) .
وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
"قوله: والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد فلا تبدل هذه مسألة خلافية، ويترتب على الخلاف فيها عدة مسائل ذكرها ابن رجب ـ رحمه الله ـ في آخر كتاب القواعد، هل الدراهم والدنانير تتعين بالعقد أو لا؟ في ذلك خلاف بين العلماء، منهم من قال: إنها لا تتعين؛ لأن المقصود واحد، فالمقصود بالدينار هذا والدينار هذا واحد، إنما اختلفا في عينهما فقط، وهذا لا يدل على أن الدراهم تتعين بالتعيين بالعقد.
ومنهم من قال: بل تتعين.
مثال ذلك: اشتريت منك هذا الثوب بهذا الدرهم، فالثوب الآن معين ولا إشكال فيه، ولهذا لو أراد البائع أن يبدل الثوب لم يستطع ذلك إلا بموافقة المشتري، لكن المشتري عين هذا الدرهم، فهل يتعين هذا الدرهم؟
فإذا قلنا بالتعيين فإن المشتري لا يمكنه أن يبدلها؛ لأنه لما عيَّنَها ووقع العقد على عينها، وتم العقد صارت ملكاً للبائع، فلا يمكن أن يبدلها المشتري، كما أن البائع لا يمكن أن يبدل الثوب، أما إذا قلنا: إنها لا تتعين فله أن يبدلها، ويأخذ من جيبه درهماً غير الذي عينه ويسلمه للبائع، هذا مما يترتب على الخلاف، فإذا قلنا: إنها تتعين بالتعيين بالعقد فإنها لا تبدل، وإن قلنا: إنها لا تتعين فإنها تبدل؛ لأنه لا فرق بين هذا الدرهم وهذا الدرهم.
وفي الأوراق النقدية كذلك، لو قال: اشتريت منك هذا الثوب بهذه العشرة، ثم أراد أن يعطيه بدلاً عنها عشرة أخرى، فهل له أن يبدلها؟ على الخلاف، إن قلنا: إنها تتعين بالتعيين لم يملك أن يبدلها، وإن قلنا: لا تتعين ملك، والأقرب إلى مقصود الناس عدم التعيين، إذ إن البائع لا يهمه أن تكون هذه العشرة أو العشرة الأخرى" انتهى ، الشرح الممتع (8/451) .
وبناء على هذا :
فإذا دفعت الإيجار من المال المدخر أو الجديد على نية المال المدخر: فلا تلزمك زكاته، وإنما تزكي الباقي إذا حال عليه الحول ولم ينقص عن النصاب.
وينظر جواب السؤال (93414)، (50801)
والله أعلم .