الحمد لله.
اختلف الفقهاء في كسب الحجام ، هل هو مكروه ، أم مباح من غير كراهة ، وسبب اختلافهم في ذلك هو اختلافهم في فَهْم الأحاديث الواردة في ذلك , فمما جاء في كراهية كسب الحجام :
1- قوله صلى الله عليه وسلم : ( كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ ) رواه مسلم (1568) .
2- وقوله صلى الله عليه وسلم : ( شَرُّ الْكَسْبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ ) رواه مسلم (1568).
3 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ) رواه أحمد (7635) والنسائي (4673) وابن ماجه (2165) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
ومما جاء في الرخصة في ذلك :
1 - ما رواه البخاري (2102) ومسلم (1577) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ ) .
2 - ما رواه البخاري (2103) ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ ) هذا لفظ البخاري ، وله أيضا (2278) : ( وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِه ) . وعند مسلم (1202) : ( وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ) .
وقد ذهب جمهور العلماء إلى الجمع بين هذه الأحاديث بحمل النهي على الكراهة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ويجوز أن يستأجر حجاما ليحجمه , وأجره مباح ، وهذا اختيار أبي الخطاب ، وهذا قول ابن عباس . وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي . وقال القاضي [أي : أبو يعلى من الحنابلة] : لا يباح أجر الحجام ، وذكر أن أحمد نص عليه في مواضع وقال : أُعطي شيئا من غير عقد ولا شرط فله أخذه ويصرفه في علف دوابه وطعمة عبيده ومؤنة صناعته ولا يحل له أكله ، وممن كره كسب الحجام عثمان وأبو هريرة والحسن والنخعي وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كسب الحجام خبيث ) رواه مسلم وقال عن أجرة الحجام : ( أطعمه ناضحك ( أي : البعير ) ورقيقك ) رواه أحمد والترمذي (1277) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ويدل على أنه مباح وليس حراماً : ما روى ابن عباس قال : ( احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو علمه حراما لم يعطه ) متفق عليه . وفي لفظ : ( لو علمه خبيثا لم يعطه ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في كسب الحجام : ( أطعمه رقيقك ) دليل على إباحة كسبه ؛ إذ غير جائز أن يُطعم رقيقه ما يحرم أكله ، فإن الرقيق آدميون يحرم عليهم ما حرمه الله تعالى كما يحرم على الأحرار ، وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم فقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما .
وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للحر تنزيها لدناءة هذه الصناعة . وأمرُه صلى الله عليه وسلم بإطعام الرقيق منها دليل على الإباحة ، فيتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة دون التحريم " انتهى من "المغني" (6/133) باختصار وتصرف .
وعلى هذا فلا حرج عليك في فتح هذا المحل ، والأجرة المأخوذة من الناس على ذلك ليست حراماً .
والله أعلم .
تعليق