الحمد لله.
لم يأت في الكتاب والسنة شيء يدل على أن قوما كانوا يسكنون الأرض قبل آدم عليه السلام، وإنما الذي جاء في ذلك هو من أقوال بعض المفسرين من الصحابة والتابعين، ومن ذلك:
- القول الأول: أن الأرض كان يسكنها الجن (بالجيم المعجمة)، وهم الذين خلقهم الله تعالى من النار، وهذا القول مروي عن أكثر أهل التفسير.
روى الطبري في تفسيره (1/232) عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها، وسفكوا فيها الدماء، وقتل بعضهم بعضا)
وروى بسنده عن الربيع بن أنس قال: (إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء، وخلق الجن يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة، فكفر قوم من الجن، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم، فكانت الدماء، وكان الفساد في الأرض)
- القول الثاني: لم يكن على الأرض قبل آدم عليه السلام أحد لا من الجن ولا من غيرهم.
وهذا القول رواه الطبري في تفسيره (1/232) عن عبد الرحمن بن زيد قال:
(قال الله تعالى ذكره للملائكة: إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا، وأجعل فيها خليفة، وليس لله يومئذ خلق إلا الملائكة، والأرض ليس فيها خلق)
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في “التحرير والتنوير” (1/228):
“تعقيبُ ذكرِ خلق الأرض ثم السماوات، بذكر إرادته تعالى جعل الخليفة، دليلٌ على أن جعل الخليفة كان أول الأحوال على الأرض بعد خلقها، فالخليفة هنا الذي يخلف صاحب الشيء في التصرف في مملوكاته، ولا يلزم أن يكون المخلوف مستقرا في المكان من قبل، فالخليفة آدم، وخَلَفِيَّتُه قيامه بتنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي، وتلقين ذريته مراد الله تعالى من هذا العالم الأرضي ” انتهى.
أما ما يذكره بعض المفسرين أو المؤرخين، أن قوما اسمهم الحن (بالحاء المهملة) كانوا يسكنون الأرض، فجاء الجن (بالجيم المعجمة) فقتلوهم وسكنوا مكانهم، فيبدو أنها من القصص التي لا تستند إلى أي سند صحيح.
يقول ابن كثير في “البداية والنهاية” (1/55):
“قال كثير من علماء التفسير: خلقت الجن قبل آدم عليه السلام، وكان قبلهم في الأرض (الحِنُّ والبِنُّ)، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم ” انتهى.
قال العلامة الطاهر ابن عاشور في “التحرير والتنوير” (1/228):
” إذا صح أن الأرض كانت معمورة من قبل بطائفة من المخلوقات يسمون (الحِنُّ والبِنُّ) بحاء مهملة مكسورة ونون في الأول، وبموحدة مكسورة ونون في الثاني، وقيل: اسمهم (الطَّمُّ والرَّمُّ) بفتح أولهما، وأحسبه من المزاعم، وأن وضع هذين الاسمين من باب قول الناس (هيّان بن بيّان) إشارة إلى غير موجود أو غير معروف، وَلَعَلَّ هَذَا أَنْجَزُ لأهل القصص من خرافات الفرس أو اليونان، فإن الفرس زعموا أنه كان قبل الإنسان في الأرض جنس اسمه الطم والرم، وكان اليونان يعتقدون أن الأرض كانت معمورة بمخلوقات تدعى (التيتان) وأن (زفس) وهو (المشتري) كبير الأرباب في اعتقادهم جلاهم من الأرض لفسادهم” انتهى.
وينظر لمزيد الفائدة هذه الأجوبة: (128573، 250448، 218371، 282650).
والله أعلم.
تعليق