الحمد لله.
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك ومتابعتك لأخيك في أمور الدين ، ولا شك أن من أكبر نعم الله على العبد أن يجعل قلبه حيًا نابضًا بالدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والداعية إلى الله يحتاج في دعوته إلى العلم والبصيرة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" تأمل أيها الشاب المسلم الواعي الداعي إلى الله قوله تعالى ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف/108 .
أي : على بصيرة فيما تدعو إليه ، وعلى بصيرة بحال المدعو ، وعلى بصيرة في كيفية الدعوة ، إذًا هناك شروط يجب مراعاتها ، منها :
أولاً : أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه ، بأن يكون عالمًا بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه ؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظن أنه واجب وهو في الشرع غير واجب ، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم به الله ، وقد يدعو إلى ترك شيء يظن أنه محرم ، وهو في دين الله غير محرم ، فيحرم على عباد الله ما أحله الله لهم .
ثانيًا : أن يكون على بصيرة بحال المدعو : لا بد أن تعلم حال المدعو ، ما مستواه العلمي ؟ وما مستواه الجدلي ؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله ؛ لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال ، وكان الأمر عليك لقوة جدله ، صار في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها ، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق في كل حال .
ثالثًا : أن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة ، فأحث إخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني ، وهم يعلمون أن الله تعالى يقول : ( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) البقرة/269 " انتهى .
"فتاوى الحرم المكي" (ص/1063- 1066 بتصرف) .
وانظر سؤال رقم (2023) .
وينبغي هنا أن تتنبه إلى بعض الأمور :
أولاً :
لا تستعمل أسلوب التعميم ، كأن تحكم على التصوف في أصل فكرته بالبدعة والضلال ، أو تحكم على جميع المتصوفة بالضلال ، بل عليك بالاحتراز في الكلام ، كأن تقول له مثلاً : من فعل كذا أو قال كذا من الصوفية أو غيرهم فقد وقع في البدعة ، أو نحو ذلك من العبارات .
ولم يحكم العلماء على التصوف جميعه بالضلال ، بل قسموا التصوف إلى أقسام ، ثم بينوا ما يوافق السنة منها وما يخالفها .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم :
" المتصوفة على قسمين : متصوفة سُنِّيِّين ، ومتصوفة بدعِيِّين ، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة ، وبعضهم عنده الشيء الكثير ، وجعلوا التصوف نافذة إلى وحدة الوجود " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن إبراهيم" (1/ رقم 192) .
وإن كان الغالب على الصوفية الآن الوقوع في البدع والضلالات .
وقد سبق بيان ذلك في سؤال رقم (4983) (47431) (20375) .
فيمكنك أن تدخل له من هذا المدخل ، ثم تحاكم التصوف الذي يلتزمه صاحبك إلى الكتاب والسنة ، فإن كان حقا فالحمد لله ، وإن كان باطلاً رجع عنه إن شاء الله .
ثانيًا :
وأما اتهامه للسلفيين بأنهم تكفيريون ، فهي تهمة سمعناها كثيراً ، وتكفير من قام الدليل على تكفيره ليس عيباً ولا خطأً ، بل العيب والخطأ هو عدم تكفير من دل الدليل على تكفيره ، ونحن لا ننكر أن بعض من ينتسب إلى السلفيين قد تساهل في إطلاق لفظ الكفر ، ولكن ليس هذا هو منهج أهل السنة والجماعة ، فأهل السنة لا يكفرون أحدا بمجرد معصية فعلها ، ولو كانت كبيرة ، بل لابد من قيام الدليل الشرعي على أن هذا الفعل كفر ، ثم توفر الشروط وانتفاء الموانع حتى يحكم على الشخص بأنه كافر .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" مذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أهل القبلة بمجرد الذنوب ، ولا بمجرد التأويل ، بل الشخص الواحد إذا كانت له حسنات وسيئات فأمره إلى الله " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (27/478) .
وقال رحمه الله :
" وليس لأحد أن يُكفِّر أحداً من المسلمين ، وإن أخطأ وغلط ، حتى تقام عليه الحجة ، وتبين له المحجة ، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك ، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة ، وإزالة الشبهة " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (12/466) .
وبيّن رحمه الله أن أهل السنة لا يكفرون المخالف لهم ، وإن كان مخالفهم يكفرهم - أحيانًا - قال رحمه الله :
" وأئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة ، فيعلمون الحق الذي يكونون به موافقين للسنة سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج منها ، ولو ظلمهم ، كما قال تعالى ( كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) المائدة/8 .
ويرحمون الخلق فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ، لا يقصدون لهم الشر...، فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم ، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم ؛ لأن الكفر حكم شرعي " انتهى .
"الرد على البكري" (ص/256 – 258) .
ثالثًا :
إن لم يكن عندك من العلم ما يكفي لإقناعه ، والإجابة عن الشبهات التي يحملها ، فيمكنك إيصال الحق له عن طريق الكتاب النافع ، والشريط المقنع ، أو عن طريق زيارة أهل العلم في بلدكم أو في غيرها من البلاد ، للسماع منهم وسؤالهم ، وقد باتت وسائل الخير متيسرة لجميع الناس هذه الأيام – والحمد لله - ، ولا تحتقرن شيئًا من ذلك ، فلعل شريطًا تهديه إليه يكون سببًا في هدايته .
رابعًا :
لا تيأس من دعوته وهدايته ، ولو طال الزمن ، فكم من الناس تاب ورجع إلى الحق بعد سنوات من دعوته وتذكيره .
والله أعلم .
تعليق