الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين ؟

89609

تاريخ النشر : 13-02-2007

المشاهدات : 16461

السؤال

أنا حفيدة لجد مات ، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء : توفي جدي والد أبي ، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة ، فمرة نراه محروقا ، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه ، وهكذا ، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله ، وأن هذا اليتيم لا يعلم ، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره ، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن ، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم ، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث ، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات ، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد ، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد ، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين ، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس ، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية ، ويسكنون في المدن ، والبيوت أصبحت مهجورة ، والأراضي لم تعد تزرع ، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا ، فهذا جدنا ، ونحن الذين دائما نحلم به ، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة ؛ فجدي في عذاب.

الجواب

الحمد لله.

أولاً :

من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل ، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة ، وتفضي به إلى النار ، نسأل الله السلامة والعافية .

ومن أعظم الظلم والتعدي : أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء ، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية ، ومزيد تحذير من أكل أموالهم ، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم .

فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين ، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية ، فقال سبحانه : ( وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) النساء/14 .

كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر .

يقول الله تعالى : ( وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ) النساء/2 .

ويقول عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) النساء/10 .

وغصب الأرض من كبائر الذنوب ، وعقابه شديد ، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) .

فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات ، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس ، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة ، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها ، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم .

وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله ؟!

أختنا :

نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب ، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه ، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم ، أن غصب الأرض ، وأكل أموال اليتامى ظلما ، والتعدي في قسمة المواريث ، كل ذل من كبائر الذنوب ، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته ( ومن توبته : رد الحقوق إلى أهلها ) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى ، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم ، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه ، ثم طرح في النار ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس . رواه مسلم (2581) .

وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي ، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر ، ويعطيه حقه كاملا .

قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس - :

"وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له ، فالاستحلال المبهم لا يكفي ، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال ، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى . " إحياء علوم الدين " ( 4 / 47 ) .

وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء ، فلا تملكون له إلا أمرين :

الأول : الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه .

الثاني : رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه ، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها ، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا ، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم .

ثانيا :

وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها ، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق ، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها ، وقولهم : " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم ، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم ، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا : ( إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس ) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله ، فإن عذاب الله شديد ، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم ، نسأل الله العافية .

ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب