الحمد لله.
يمكننا – للتوضيح – أن نعبر عن السؤال بصيغة أخرى فنقول :
هل يجوز أن يُشتَقَّ من صفاتِ الله تعالى وأفعالِه التي أثبتها الله لنفسه أسماءً له عز وجل يتسمى بها ، ليدعوه بها عبادُه ، ويحصوها مع أسمائه حتى ينالوا الأجر المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه البخاري (2736) ومسلم (2677) ، أم أنَّ هناك ضابطًا في اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات والأفعال ؟
لا بد أولا من إرجاع الحكمة إلى الله تعالى ، فهو سبحانه صاحب الكمال المطلق ، يتسمى ويتصف بما هو أهل له ، والعباد إنما يتلمَّسون شيئا مما بينه لهم في كتابه من كماله وجلاله وعظمته ، فإليه يرجع الأمر كله ، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى .
إلا أننا نحاول الوقوف على فقه أسمائه وصفاته من خلال ما ورد في الكتاب والسنة ، نتأمل في ذلك لعلنا نصل إلى ضابط في تحديد الأسماء الحسنى .
وقد اختلف العلماء فيما سأل عنه الأخ الكريم ، مما أدى إلى اختلافهم في تعداد أسماء الله الحسنى ووضع الضابط لها ، فقد جعل بعضهم الأمر تعبديا محضا ليس فيه شيء من معاني القياس أو الاجتهاد كما فعل ابن حزم ، وتوسع بعضهم فأجاز تسمية الله بالمتكلم والمريد وبكل اسم جاء وصف الله تعالى بمعناه في الكتاب أو السنة ، وهذا مذهب ابن العربي المالكي وغيره .
وتوسط بعض أهل العلم ، فتأملوا في موارد الأسماء الحسنى ، فوجدوا أن الصفة إذا كانت صفة مدح مطلق ولا تحتمل الذم بوجه من الوجوه : كالسمع والبصر ، فحينئذ يأتي في النصوص اشتقاق الاسم منها فيسمي الله نفسه بـ " السميع " و " البصير " .
أما إذا كانت الصفة تحتمل النقص والذم بإحدى الوجوه : كالكلام مثلا ، فإن الكلام قد يكون كذبا وظلما وسُوءًا ، فيكون نقصا يفضل السكوت عليه ، فحينئذ لا نجد اشتقاقا للاسم من هذه الصفة ، ولا نجد من أسماء الله : المتكلم .
وهذا هو تقرير العلامة ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، وقول أكثر علمائنا المعاصرين .
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "شرح العقيدة الأصفهانية" (1/19-20) :
" وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم :
فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ، ولا في الأسماء الحسنى المعروفة ، ومعناهما حق ، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي : التي يدعى الله بها ، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة ، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها .
والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك هي في نفسها صفات مدح ، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح .
وأما الكلام والإرادة : فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود : كالصدق والعدل ، وإلى مذموم : كالظلم والكذب ، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم...فلهذا لم يجئ في أسمائه الحسنى المأثورة : المتكلم والمريد " انتهى .
ويقول أيضا رحمه الله في "بيان تلبيس الجهمية" (2/10-11) :
" وذلك أن الله سبحانه له الأسماء الحسنى ، كما سمى نفسه بذلك ، وأنزل كتبه ، وعلَّمه من شاء من خلقه ، كاسمه : الحق ، والعليم ، والرحيم ، والحكيم ، والأول ، والآخر ، والعلي ، والعظيم ، والكبير ، ونحو ذلك .
وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد ، تدل على ما يحمد به ، ولا يكون معناها مذموما ...
والله له الأسماء الحسنى ، ليس له مثل السوء قط ، فكذلك أيضا الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم ، لا توجد في أسماء الله الحسنى ؛ لأنها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح " انتهى .
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى كما في "مختصر الصواعق" (2/34)
" لم يأت في أسمائه الحسنى المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم ، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد " انتهى .
ويقول أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (3/415-416) :
" وما كان مسماه منقسما – يعني إلى كامل وناقص - لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى : كالشيء والمعلوم ، ولذلك لم يسم بـ " المريد " ، ولا بـ " المتكلم " ، وإن كان له الإرادة والكلام ؛ لانقسام مسمى " المريد " و " المتكلم " ، وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى ، فتأمله وبالله التوفيق " انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى "شرح الواسطية" (1/86) :
" ولهذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم ، مع أنه يتكلم ؛ لأن الكلام قد يكون خيراً ، وقد يكون شراً ، وقد لا يكون خيراً ولا شراً ، فالشر لا ينسب إلى الله ، واللغو كذلك لا ينسب إلى الله ، لأنه سفه ، والخير ينسب إليه ، ولهذا لم يسم نفسه بالمتكلم ، لأن الأسماء كما وصفها الله عز وجل : ( ولله الأسماء الحسنى ) الأعراف/180 ، ليس فيها أي شيء من النقص ، ولهذا جاءت باسم التفضيل المطلق " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم (39803) ، (48964)
وللتوسع انظر كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" للدكتور محمد بن خليفة التميمي (50-59)
والله أعلم .
تعليق