الحمد لله.
اللباس من نعم الله تعالى على عباده ، فهي تستر العورة وتقي الحر والبرد ، وقد امتن الله به عليهم فقال : ( يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف/26 ، وقال : ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) النحل/81 .
والأصل في اللباس الإباحة ، فللمسلم أن يلبس ما يشاء مما يصنعه هو أو يصنعه له غيره من المسلمين وغيرهم ، وهذا هو حال الصحابة رضي الله عنهم في مكة وفي غيرها ، فلم يكن من يُسلم منهم يلبس لباساً خاصّاً به ، وكان النبي صلى الله صلى الله عليه يبلس الجبة الشامية والحلة اليمنية ، ولم يكن أهل صناعتهما من المسلمين ، فالعبرة بموافقة اللباس للشروط الشرعية ، وتجد في جواب السؤال رقم ( 36891 ) ملخصاً لأحكام اللباس بالنسبة للرجال ، فلينظر .
وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار عموماً – في اللباس وغيره – ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) رواه أبو داود ( 4031 ) وصححه العراقي في “تخريج إحياء علوم الدين” (1/342) والألباني في “إرواء الغليل” (5/109) .
ونهانا نهياً خاصاً عن : التشبه بهم في اللباس ، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين فقال له : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ) رواه مسلم ( 2077 ) .
و روى مسلم (2069) عن عمر رضي الله عنه أنه كتب للمسلمين في أذربيجان : ( إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ) .
وثياب الكفار التي يحرم على المسلمين لبسها هي ما يختص بلبسه الكفار , فلا يلبسها غيرهم , أما ما يلبسه الكفار والمسلمون , فلا حرج في لبسه ولا كراهية فيه ، لأنه ليس خاصاً بالكفار .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عن المشابهة بالكفار المنهي عنها فأجابوا :
” المراد بمشابهة الكفار المنهي عنها : مشابهتهم فيما اختصوا به من العادات ، وما ابتدعوه في الدين من عقائد وعبادات ، كمشابهتهم في حلق اللحية … .
أما لبس البنطلون والبدلة وأمثالهما من اللباس ، فالأصل في أنواع اللباس الإباحة ، لأنَّهُ من أمور العادات ، قال تعالى : ( قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الآية ، ويستثنى من ذلك ما دلَّ الدليل الشرعي على تحريمه أو كراهته كالحرير للرجال ، والذي يصف العورة لكونه شفافاً يُرى من ورائه لون الجلد ، أو ككونه ضيقاً يحدد العورة ، لأنه حينئذ في حكم كشفها , وكشفها لا يجوز ، وكالملابس التي هي من سيما الكفار فلا يجوز لبسها لا للرجال ولا للنساء , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم ، وكلبس الرجال ملابس النساء , ولبس النساء ملابس الرجال , لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال .
وليس اللباس المسمى بالبنطلون مما يختصُّ بالكفار ، بل هو لباس عام في المسلمين والكافرين في كثير من البلاد والدول ، وإنما تنفر النفوس من لبس ذلك في بعض البلاد لعدم الإلف ومخالفة عادة سكانها في اللباس ، وإن كان ذلك موافقاً لعادة غيرهم من المسلمين ، لكن الأولى بالمسلم إذا كان في بلد لم يعتد أهلها ذلك اللباس ألاَّ يلبسه في الصلاة ولا في المجامع العامة ولا في الطرقات ” انتهى .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 3 / 307 – 309 ) .
وقالوا أيضاً :
” يجب على المسلمين والمسلمات أن يحرصوا على الأخلاق الإسلامية ، وأن يسيروا على منهج الإسلام في أفراحهم وأتراحهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وجميع شؤونهم .
ولا يجوز لهم أن يتشبَّهوا بالكفار في لباسهم بأن يلبسوا الملابس الضيقة التي تحدِّد العورة ، أو الملابس الشفافة الرقيقة التي تشف عن العورة ولا تسترها ، أو الملابس القصيرة التي لا تغطي الصدر أو الذراعين أو الرقبة أو الرأس أو الوجه ” انتهى .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 3 / 306 ، 307 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن مقياس التشبُّه بالكفار ؟
فأجاب :
” مقياس التشبه : أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشبَّه به ، فالتشبُّه بالكفار أن يفعلَ المسلم شيئاً من خصائصهم .
أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبُّهاً ، فلا يكون حراماً من أجل أنَّه تشبّه إلاَّ أن يكون محرَّماً من جهة أخرى .
وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة ، وقد صرَّح بمثله صاحب “فتح الباري” حيث قال (10/272) : ” وقد كره بعض السلف لبس البرنس ؛ لأنَّهُ كان من لباسِ الرهبانِ ، وقد سئل مالكٌ عنه فقال : لا بأس به ، قيل : فإنَّهُ من لبوس النصارى ، قال : كان يلبس ههنا ” انتهى . قلت : لو استدلَّ مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم ؟ فقال : ( لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس … ) لكان أولى .
وفي “الفتح” أيضاً (10/307) : ” وإن قلنا النهي عنها ( أي : عن المياثر الأرجوان ) من أجل التشبُّه بالأعاجم : فهو لمصلحة دينية ، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى ، فتزول الكراهة ، والله أعلم ” انتهى .
” مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ” ( 12 / 290) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
” وتباح ثياب الكفار إذا لم تعلم نجاستها ؛ لأن الأصل الطهارة ؛ فلا تزول بالشك ، ويباح ما نسجوه أو صبغوه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يلبسون ما نسجه الكفار وصبغوه ” انتهى .
” الملخص الفقهي ” ( 1 / 20 ) .
وخلاصة الجواب : أنه يحرم على المسلم أن يتشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم من اللباس وغيره , أما ما لا يختص به الكفار فلا حرج فيه .
والله أعلم .
تعليق