دفع إليَّ رجلٌ (100) ألف ريال لأتاجر بها على أن يكون الربح بيننا مناصفة، ولما حال الحول على المال، كان المبلغ قد وصل إلى (200 ألف ريال)، فمن الذي تلزمه زكاة هذا المبلغ؟
الحمد لله.
أولا:
إذا تم اقتسام الأرباح بين صاحب المال والشريك المضارب: فلا خلاف بين العلماء أن صاحب المال يزكي رأس المال مع نصيبه من الأرباح، فيخرج زكاة (150) ألف ريال.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (23/277): " مَنْ أَعْطَى مَالَهُ مُضَارَبَةً لإِنْسَانٍ فَرَبِحَ: فَزَكَاةُ رَأْسِ الْمَال عَلَى رَبِّ الْمَال، اتِّفَاقًا ".
وأما المضارب، فلا تلزمه زكاة شيء من رأس المال؛ لأن رأس المال ملكٌ خالص لرب المال، والمضارب ليس شريكًا له فيه، ولذلك لا تلزمه زكاة شيء منه.
وإنما تلزمه زكاة نصيبه من الربح فقط.
وهل يزكي المضارب (العامل) نصيبه من الربح مباشرة، أم ينتظر حولا كاملاً؟
في المسألة خلاف بين العلماء، والجمهور على أنه يستأنف حولا جديدًا، بخلاف رب المال فلا ينتظر حولا للربح؛ لأنه ناتج عن أصل ماله.
ثانيًا:
إذا ظهرت الأرباح، ولكن لم يتم اقتسامها بعد:
فلا خلاف بين العلماء في أن رب المال يزكي رأس المال ونصيبه من الربح مباشرة عند انتهاء الحول؛ لأنهما ملكه.
وأما "حصة المضارب" من الربح - التي لم تقسم بعد - فاختلف العلماء في زكاتها:
- فقيل: يزكيها العامل المضارب، وهو مذهب الحنفية والشافعية.
لكن عند الحنفية يكون حولها حول أصل المال، وعند الشافعية يبدأ الحول من وقت ظهور الربح.
قال ابن حجر في "تحفة المحتاج" (3/304): " يَلْزَمُ الْعَامِلَ زَكَاةُ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّوَصُّلِ إلَيْهِ مَتَى شَاءَ بِالْقِسْمَةِ، فَهُوَ كَدَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مَلِيءٍ، وَعَلَيْهِ: فَابْتِدَاءُ حَوْلِ حِصَّتِهِ مِنْ الظُّهُورِ".
وعلى هذا القول، فالواجب حساب الأرباح المضافة إلى رأس المال كل سنة، ثم يقوم صاحب رأس المال بإخراج زكاة رأس المال ونصيبه من الربح، ويخرج المضارب زكاة نصيبه من الربح.
وقيل: لا زكاة في حصة المضارب قبل القسمة، ولو استمرت المضاربة سنين؛ لأن ملكه عليها غير مستقر، وهو مذهب المالكية والحنابلة.
فإذا قسمت الأرباح، ابتدأ المضارب الحول من وقت القسمة، واختار المالكية أن يزكيها بعد قبضها عن سنة واحدة؛ لأنها في حكم الدين.
والفرق بين صاحب رأس المال في أنه يزكي أرباحه، والمضارب لا يزكيها إذا استلمها حتى تمر عليها سنة: أن ربح صاحب المال تابع لرأس المال، أما المضارب فلم يشارك برأس مال في الشركة حتى يكون الربح تابعًا له.
قال ابن قدامة في "المغني" (4/260): "وَأَمَّا الْعَامِلُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فِي حِصَّتِهِ حَتَّى يَقْتَسِمَا، وَيَسْتَأْنِفُ حَوْلًا مِنْ حِينَئِذٍ ".
وجاء في "مطالب أولي النهى" (2/15): " ولَا زَكَاةَ فِي حِصَّةِ مُضَارِبٍ مِنْ رِبْحٍ قَبْلَ قِسْمَتِهِ...؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ فَمِلْكُهُ نَاقِصٌ... فَيُزْكِي رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِمِلْكِهِ الرِّبْحَ بِظُهُورِهِ وَتَبْقِيَتِهِ لِمَالِهِ، بِخِلَافِ الْمُضَارَبِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ زَكَاةُ حِصَّةِ الْمُضَارَبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكِهِ لَهَا". انتهى
وهو ما اختاره صاحب كتاب "نوازل الزكاة" (ص231)، وذكر أنه يترجح: "عدم إيجاب الزكاة على العامل إلا بعد استحقاقه لنصيبه، ويكون ذلك بعد القسمة، وحولان حول عليه إن كان نصابًا، وذلك لعدم استقرار ملكه قبل القسمة، ولم تجب الزكاة عند القسمة؛ لعدم حولان الحول من حين استقرار الملك، فتعين ابتداء حول من حين قسمة نصيبه من الربح سواء قبضه أو لم يقبضه".
ولكلٍّ من القولين حظ من النظر. وقد سبق في الموقع الفتوى بقول جمهور العلماء: أن الزكاة لا تجب في حصة المضارب، إلا إذا بلغت النصاب بنفسها، أو بما عنده من المال، وحال عليها الحول من حين القسمة. والأصل براءة الذمة ، فلا يجب شيء في مال الضارب ولا غيره، إلا بيقين.
وينظر جواب السؤال رقم (205055).
وإن أحب المضارب أن يحتاط لنفسه، ويخرج من خلاف العلماء في ذلك، ويخرج الزكاة في حصته من حين اقتسام الربح؛ فهو حسن، وعسى الله أن يخلف له خيرا وبركة في ماله.
والله أعلم