الحمد لله.
لا يجوز لمن أعطاه الله موهبة تعبير الرؤى والمنامات أخذ الأجرة على هذا العمل ، وذلك لأمور :
أولاً :
أن تعبير الرؤى منفعة غير معلومة ولا منضبطة ، والأجرة لا تكون إلا في مقابل عمل له منفعة مقصودة معلومة ، وهو في ذلك يشبه القضاء .
قال ابن قدامة عن القضاء : "فأما الاستئجار عليه فلا يجوز، قال عمر رضي الله عنه : لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا ، وهذا مذهب الشافعي ، ولا نعلم فيه خلافا ...؛ ولأنه عمل غير معلوم" انتهى .
"المغني" (11/377) .
ثانياً :
أقرب ما يقاس عليه تعبير الرؤى هو: الفتوى ، وقد ذهب جمهور العلماء إلى منع المفتي من أخذ الأجرة على فتواه سواء كان الإفتاء في حقه فرض عين أو كفاية .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32 /42) :
"وَأَمَّا الأُْجْرَةُ ، فَلاَ يَجُوزُ أَخْذُهَا مِنْ أَعْيَانِ الْمُسْتَفْتِينَ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ ، قَال الْحَنَابِلَةُ : لأَِنَّ الْفُتْيَا عَمَلٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ ، وَلأَِنَّهُ مَنْصِبُ تَبْلِيغٍ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، فَلاَ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ ، كَمَا لَوْ قَال لَهُ : لاَ أُعَلِّمُكَ الإِْسْلاَمَ أَوِ الْوُضُوءَ أَوِ الصَّلاَةَ إِلاَّ بِأُجْرَةٍ ، قَالُوا : فَهَذَا حَرَامٌ قَطْعًا ، وَعَلَيْهِ رَدُّ الْعِوَضِ ، وَلاَ يَمْلِكُهُ ، قَالُوا : وَيَلْزَمُهُ الإِْجَابَةُ مَجَّانًا لِلَّهِ بِلَفْظِهِ أَوْ خَطِّهِ إِنْ طَلَبَ الْمُسْتَفْتِي الْجَوَابَ كِتَابَةً ، لَكِنْ لاَ يَلْزَمُهُ الْوَرَقُ وَالْحِبْرُ" انتهى .
وقال ابن القيم :
"أما أخذه الأجرة فلا يجوز له ، لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله، فلا تجوز المعاوضة عليه" انتهى .
"إعلام الموقعين" (4/231) .
وتعبير الرؤى نوع من الإفتاء.
قال الشيخ السعدي :
"علم التعبير من العلوم الشرعية ، ويثاب الإنسان على تعلمه وتعليمه ، وتعبير المرائي داخل في الفتوى ، لقوله للفتيين: (قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) وقال الملك: (أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ) وقال الفتى ليوسف: (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ ...) ، فلا يجوز الإقدام على تعبير الرؤيا من غير علم" انتهى .
"تفسير السعدي" (1/407) .
ثالثاً :
لا يصح قياس أخذ الأجرة على التعبير بأخذ الأجرة على الرقية ؛ لأن الرقية من باب العلاج والمداواة ، وهذه يصح الاستئجار عليها بالاتفاق .
رابعاً :
استدلال البعض على الجواز بما جاء في كتاب "مجمع الأنهر" (3/533) في الفقه الحنفي في معرض كلامه عن أخذ الأجرة على الطاعات قال : "بِخِلَافِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَكِتَابَةِ الْمُصْحَفِ ، وَالْفِقْهِ وَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ ، وَالنُّجُومِ [أي علم معرفة دلالات النجوم على الجهات والأوقات] ، وَالطِّبِّ ، وَالتَّعْبِيرِ ، وَالْعُلُومِ الْأَدَبِيَّةِ ، فَإِنَّ أَخْذَ الْأُجْرَةِ فِي الْجَمِيعِ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ" انتهى .
فهذا الاستدلال غير دقيق ؛ لأن المقصود تعليم "علم التعبير" لا تعبير الرؤى ، بدليل قرنه بتعليم الفقه والكتابة والطب والعلوم الأدبية .
ويوضح ذلك ما جاء في "الفتاوى الهندية" (4/448) من كتب الحنفية من قوله : "وَلَوْ اسْتَأْجَرَ لِتَعْلِيمِ وَلَدِهِ الْكِتَابَةَ ، أو النُّجُومَ ، أو الطِّبَّ ، أو التَّعْبِيرَ ، جَازَ بِالِاتِّفَاقِ" .
والفرق بين تعليم علم التعبير وتعبير الرؤى، كالفرق بين تعليم العلم الشرعي والإفتاء بالحكم الشرعي .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى : ما حكم أخذ الأجرة لتعبير الرؤى؟
فأجاب:
"نرى أنه لا يجوز ، وذلك لأن تعبير الرؤيا يعتمد الظن ، ولا يجوز للمُعبِّر الجزم بالتعبير؛ لاحتمال أن يكون لها تعبير آخر غير ما يتبادر إلى ظن المعبر ، فلا حاجة إلى أخذ الأجرة على ذلك". انتهى من موقع الشيخ .
والله أعلم
تعليق