الحمد لله.
أولا :
روى البخاري (6472) ومسلم (220) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ، هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ ولَاَ يكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .
وهؤلاء إنما يدخلون الجنة بغير حساب ؛ لكمال توحيدهم ، وكمال توكلهم على الله ، واستغنائهم عن الناس .
ولا يدخل من يطلب الرقية من الآخرين ضمن أولئك السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب لنقصان توكله على الله ؛ لأن طلب الرقية فيه نوع تذلل وحاجة إلى الراقي ، ومن كمال التوكل والتوحيد أن لا يسأل المسلم الناس شيئا .
وقد روى مسلم (1043) عن عَوْف بْن مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً فَقَالَ : أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ : (عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَتُطِيعُوا ، وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا) .
فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ .
قال ابن القيم رحمه الله :
"وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب لكمال توحيدهم ، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء وهو سؤال الناس أن يرقوهم ، ولهذا قال : (وعلى ربهم يتوكلون) فلكمال توكلهم على ربهم وسكونهم إليه وثقتهم به ورضاهم عنه وإنزال حوائجهم به لا يسألون الناس شيئا لا رقية ولا غيرها ، ولا يحصل لهم طيرة [التشاؤم] تصدهم عما يقصدونه ؛ فإن الطيرة تنقص التوحيد وتضعفه" انتهى . "زاد المعاد" (1/475) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"المراد : أنهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم ، ولا أن يكويهم ، بل يتوكلون على الله ، ويعتمدون عليه في كشف ما بهم ودفع ما يضرهم ، وإيصال ما به نفعهم" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/397) .
ثانيا :
طلب الرقية من الغير ليس بمحرم ، ولكنه خلاف الأفضل والأكمل .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان ، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (24/261) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"هذا الحديث يدل على أن ترك الطلب أفضل ، وهكذا ترك الكي أفضل ، لكن عند الحاجة إليهما لا بأس بالاسترقاء والكي ؛ لأن النبي عليه السلام أمر عائشة أن تسترقي من مرض أصابها ، وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن تسترقي لهم ، فدل ذلك على أنه لا حرج في ذلك عند الحاجة إلى الاسترقاء" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (25/118-119) .
ثالثا :
أما قولك : لا أجد لدي الصبر أو مهارة عمل الرقية لنفسي .
فطلب الرقية جائز كما سبق ، مع أن الرقية لا تحتاج إلى مهارة ، وإنما هي بمنزلة الدعاء ، فكل إنسان يستطيع أن يدعو ربه بحصول الشفاء ، ولا يصعب عليه ذلك ، فيستطيع الإنسان أن يرقي نفسه بسورة الفاتحة ، أو غير ذلك من القرآن الكريم ، أو بالأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ومنها :
(اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَاسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) رواه البخاري (5750) ومسلم (2191) .
(أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) رواه البخاري (3371) .
وروى مسلم ( 2202 ) والترمذي ( 2080 ) عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضع يدك على المكان الذي تَأَلَّم من جسدك وقل : (بسم الله ثلاثاً ، وقل سبع مرات : أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) زاد الترمذي : "قال : ففعلت ، فأذهب الله ما كان بي ، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم" .
نسأل الله تعالى أن يشفيك شفاء لا يغادر سقماً .
والله أعلم
تعليق