الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

يسأل : أين كنا قبل الحياة الدنيا ؟ وأين كانت أرواحنا ؟

153353

تاريخ النشر : 12-12-2010

المشاهدات : 184564

السؤال

أين كنا قبل الدنيا ، وأين كانت أرواحنا قبل أن تنفخ في بطون أمهاتنا ؟ هل كنا لا شيء ؟ هل كنا مع الله ؟ وإذا كانت أرواحنا في مكان ما فهل لدينا فرصة أن نتذكر أي شيء عنه ؟ جزاكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله.


هدانا الله وإياكم سواء السبيل ، ووفقنا وإياكم إلى كل خير .
أولا : اعلم يا أخي أن في انشغال المرء بخاصة نفسه وما يهمه من أمر الدنيا والآخرة الغنية عن السؤال عن مثل هذا ، وفيما هو آت من متاعب الدنيا وكروب الموت وأهوال الآخرة الكفاية لأن ينشغل به العبد عما كان في الزمان الأول الذي لا يضره جهله به ولا ينفعه علمه بحاله .
والسؤال عن الروح والخوض فيها ، ومتى خلقت ؟ وأين كانت ؟ فوق أنه من فضول الكلام ، فهو مخالف لما يتضمنه قول الله عز وجل : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) الإسراء/ 85
قال السعدي رحمه الله :
" وهذا متضمن لردع من يسأل المسائل التي لا يقصد بها إلا التعنت والتعجيز ، ويدع السؤال عن المهم ، فيسألون عن الروح التي هي من الأمور الخفية ، التي لا يتقن وصفها وكيفيتها كل أحد ، وهم قاصرون في العلم الذي يحتاج إليه العباد .
ولهذا أمر الله رسوله أن يجيب سؤالهم بقوله : قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي : من جملة مخلوقاته ، التي أمرها أن تكون فكانت ، فليس في السؤال عنها كبير فائدة ، مع عدم علمكم بغيرها .
وفي هذه الآية دليل على أن المسؤول إذا سئل عن أمر ، الأولى بالسائل غيرُه ، أن يعرض عن جوابه ، ويدله على ما يحتاج إليه ، ويرشده إلى ما ينفعه " انتهى من " تفسير السعدي" (ص 466)
ثانيا :
الذي حرره ابن القيم رحمه الله من غير وجه أن خلق الأرواح متأخر عن خلق الأبدان ؛ فإن خلق آدم أبي البشر عليه السلام كان هكذا .
قال ابن القيم : " والقرآن والحديث والآثار تدل على أنه سبحانه نفخ فيه من روحه بعد خلق جسده ، فمن تلك النفخة حدثت فيه الروح . وفي حديث أبى هريرة في تخليق العالم الإخبار عن خلق أجناس العالم وتأخر خلق آدم إلى يوم الجمعة ، ولو كانت الأرواح مخلوقة قبل الأجساد لكانت من جملة العالم المخلوق في ستة أيام ، فلما لم يخبر عن خلقها في هذه الأيام علم أن خلقها تابع لخلق الذرية ، وأن خلق آدم وحده هو الذي وقع في تلك الأيام الستة ، وأما خلق ذريته فعلى الوجه المشاهد المعاين .
وأيضا فإنها لو كانت موجودة قبل البدن لكانت عالمة حية ناطقة عاقلة فلما تعلقت بالبدن سلبت ذلك كله ثم حدث لها الشعور والعلم والعقل شيئا فشيئا ، وهذا لو كان لكان أعجب الأمور أن تكون الروح كاملة عاقلة ، ثم تعود ناقصة ضعيفة جاهلة ، ثم تعود بعد ذلك إلى عقلها وقوتها ! فأين في العقل والنقل والفطرة ما يدل على هذا " انتهى ملخصا .
"الروح" (ص 173-174)
فالأرواح لم تكن مخلوقة أولا ، ثم ركبت في الأبدان ، وإنما خلقت الأبدان ثم خلقت الأرواح وركبت فيها .
وسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّة رحِمَه الله عَنْ " الرُّوحِ " هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ مَخْلُوقَةٌ ؟ وَهَلْ يُبَدَّعُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِهَا أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ :
" رُوحُ الْآدَمِيِّ مَخْلُوقَةٌ مُبْدَعَةٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (4 /216)

وقول السائل : أين كنا قبل الدنيا ؟ فالجواب : أن الخلق قبل خلقهم لم يكونوا شيئا ، ثم خلقهم الله تعالى ، قال الله عز وجل لنبيه زكريا عليه السلام : ( وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) مريم/ 9
وقال سبحانه : ( هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) لإنسان/ 1
قال ابن كثير رحمه الله :
" يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئًا يذكر لحقارته وضعفه ، فقال: ( هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) ثم بين ذلك فقال : ( إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ) " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (8 /285) والمعنى أنه لم يكن شيئا أصلا ، ثم خلقه الله من نطفة أمشاج .
وروى البخاري (7418) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما أن نَاسا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دخلوا على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا : جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ ؟ قَالَ : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .
وفي رواية : ( كان الله ولم يكن شيء غيره ) ، وفي أخرى : ( ولم يكن شيء معه ) راجع الفتح (6/289)
وعند مسلم (2713) مرفوعا : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ )

وقول السائل : هل كنا مع الله ؟ فنقول : - كما تقدم – لم نكن شيئا أصلا ، فضلا عن أن يقال : كنا مع الله أو في السماء .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو يَعْقُوبَ النهرجوري : " هَذِهِ الْأَرْوَاحُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ . خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ الْمَلَكُوتِ كَمَا خَلَقَ آدَمَ مِنْ التُّرَابِ ، وَكُلُّ عَبْدٍ نَسَبَ رُوحَهُ إلَى ذَاتِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ إلَى التَّعْطِيلِ ، وَاَلَّذِينَ نَسَبُوا الْأَرْوَاحَ إلَى ذَاتِ اللَّهِ هُمْ أَهْلُ الْحُلُولِ الْخَارِجُونَ إلَى الْإِبَاحَةِ ، وَقَالُوا إذَا صَفَتْ أَرْوَاحُنَا مِنْ أَكْدَارِ نُفُوسِنَا فَقَدْ اتَّصَلْنَا ؛ وَصِرْنَا أَحْرَارًا وَوُضِعَتْ عَنَّا الْعُبُودِيَّةُ وَأُبِيحَ لَنَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ اللَّذَّاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَهُمْ زَنَادِقَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (4 /221)

وقول السائل : وإذا كانت أرواحنا في مكان ما فهل لدينا فرصة أن نتذكر أي شيء عنه ؟
فنقول : عدم تذكرنا أي شيء دليل على أنها لم تكن شيئا من قبل ، وأنها خلقت بعد خلق الأجساد – كما تقدم – وقال ابن القيم رحمه الله :
" ولو كان للروح وجود قبل البدن وهي حية عالمة ناطقة لكانت ذاكرة لذلك في هذا العالم شاعرة به ولو بوجه ما ، ومن الممتنع أن تكون حية عالمة ناطقة عارفة بربها وهي بين ملأ من الأرواح ثم تنتقل إلى هذا البدن ولا تشعر بحالها قبل ذلك بوجه ما .
وإذا كانت بعد المفارقة تشعر بحالها وهي في البدن على التفصيل ، وتعلم ما كانت عليه ها هنا ، مع أنها اكتسبت بالبدن أمورا عاقتها عن كثير من كمالها ؛ فلأن تشعر بحالها الأول وهي غير معوقة هناك بطريق الأولى " انتهى .
"الروح" (ص 174)

والواجب الانشغال بما يهم المرء من أحوال معاشه ومعاده ، وعدم الانشغال بمثل هذه التساؤلات التي قد تورث الحيرة أو تُخرِج إلى البدعة والضلالة .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب