الحمد لله.
أخبر الله تعالى عن ملائكته عليهم السلام أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، قد أكرمهم الله ، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته ، وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل ، وأنهم في غاية الأدب مع الله والامتثال لأوامره .
قال تعالى : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ )
الأنبياء/ 26 – 29 ؛ فلا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير الأكوان ، حتى يقول الله ، لكمال أدبهم ، وعلمهم بكمال حكمته وعلمه . ومهما أمرهم امتثلوا لأمره ، ومهما دبرهم عليه فعلوه ، فلا يعصونه طرفة عين ، ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله .
ومع هذا : فقد أحاط الله تعالى بهم علما ، فعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، من أمورهم الماضية والمستقبلة ، فلا خروج لهم عن علمه ، كما لا خروج لهم عن أمره وتدبيره .
وهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه ورضاه ، فإذا أذن لهم وارتضى من يشفعون فيه شفعوا فيه . وهم من خشيته مشفقون خائفون وجلون ، قد خضعوا لجلاله ، وعنت وجوههم لعزه وجماله .
"تفسير السعدي" (ص 521) ببعض تصرف .
وحالهم لا يختلف ، سواء قبل خلق آدم عليه السلام ، أو بعد فناء الدنيا وانقضاء أيامها ، أو يوم البعث والنشور والحساب والجزاء ، أو بعد أن ينصرف الناس يوم القيامة فريقين : فريق في الجنة وفريق في السعير .
فملائكة الله في كل ذلك : لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون .
وليسوا من أهل التكليف ، ولا حساب عليهم يوم القيامة ، ولكن تتنوع أعمالهم ووظائفهم في الآخرة بحسب هذا الأصل : تمام الطاعة والانقياد لله رب العالمين .
فمنهم من يحمل العرش ، قال تعالى : ( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) الحاقة/17
ومنهم الحافون حول العرش المسبحون بحمد ربهم ، قال تعالى :
( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الزمر/ 75
ومنهم الموكلون بأهل الجنة ، قال تعالى : ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد/ 23، 24
وقال تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) الزمر/ 73
ومنهم الموكلون بأهل النار ، قال تعالى : (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ) المدثر/ 31
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/ 6
وقال تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) الزمر/ 71
وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ ) غافر/ 49
ومنهم من له أعمال غير ذلك ، ومرجع علم ذلك إلى الله تعالى علام الغيوب ، وقد قال الله عز وجل : ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) المدثر/ 31
سئل الصفار – من علماء الحنفية - : أتكون الملائكة في الجنة ؟ قال : " نعم إنهم موحدون ، وبعضهم يطوفون حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، وبعضهم يبلغون السلام من الله تعالى على المؤمنين كما قال تعالى : ( يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) " . "الحبائك في أخبار الملائك" ، للسيوطي (ص 88) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
نعتقد أن الله تعالى يدخل من آمن به من الثقلين الجنة ، ويدخل من كفر به منهما النار يوم القيامة ، فما منزل الملائكة ؟
فأجابوا : " قد أخبر الله سبحانه عن الملائكة بأنهم ( عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) الآيات ، فهم محل كرامته وإحسانه وتحت تصرفه وأمره . فمنهم الموكل بأهل الجنة ، ومنهم الموكل بأهل النار ، ومنهم حملة العرش ، ومنهم الحافون بالعرش ، والله أعلم بتفاصيل أعمال بقيتهم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (3 /468-469)
والله تعالى اعلم .
راجع جواب السؤال رقم : (121242)
تعليق