الحمد لله.
النِّسْيَانُ لُغَةً : ضِدُّ الذِّكْرِ وَالْحِفْظِ ، يُقَال : نَسِيَهُ نِسْيَانًا وَنِسَاوَةً وَنَسَاوَةً ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى التَّرْكِ ، يَقُول اللَّهُ تَعَالَى : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) . أَيْ تَرَكُوا طَاعة اللَّهَ فَتَرَكَهُمْ من رَحمتِه وهِدَايَته ، وَلَمَّا كَانَ النِّسْيَانُ ضَرْبًا مِنَ التَّرْكِ وَضَعَهُ مَوْضِعَهُ .
وَقَال الْفَيُّومِيُّ : نَسِيتُ الشَّيْءَ أَنْسَاهُ نِسْيَانًا ، مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : تَرْكُ الشَّيْءِ ذُهُولاً وَغَفْلَةً ، وَذَلِكَ خِلاَفُ الذِّكْرِ لَهُ ، تَقُول : تَرَكْتُ رَكْعَةً أَهْمَلْتُهَا ذُهُولاً ، وَالثَّانِي : التَّرْكُ مَعَ التَّعَمُّدِ ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْل بَيْنَكُمْ ) . أَيْ لاَ تَقْصِدُوا التَّرْكَ وَالإْهْمَال .
راجع : "الموسوعة الفقهية" (40 /264) – "لسان العرب" (15/321) – "الصحاح" (2/207) – "المحكم" (8/581) – "المصباح المنير" (2/604)
فللنسيان معنيان : معنى منتف عن الرب ، لا يليق به
سبحانه ، وهو الذهول وعدم ذكر الشيء المعلوم ، قال تعالى : ( قَالَ عِلْمُهَا
عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) طه/ 52 ، والآخر
ثابت للرب تعالى ، وهو الترك ، عقوبة لبعض عباده ، مع تمام علمه وإحاطته ، سبحانه ،
ويكون ذلك في مقابلة نسيان العبد أمر ربه ؛ كما قال سبحانه : ( فَذُوقُوا بِمَا
نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ) السجدة /14. وقال تعالى
في المنافقين : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ ) التوبة/67 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قوله ( فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا ) أي :
نعاملهم معاملة من نَسيهم ؛ لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه ، كما قال
تعالى : ( فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى )
وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة ، كما قال : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ )
وقال : ( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )
وقال تعالى : ( وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ
هَذَا ) وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : نتركهم ، كما تركوا لقاء يومهم هذا
. وقال مجاهد : نتركهم في النار . وقال السُّدِّي : نتركهم من الرحمة ، كما تركوا
أن يعملوا للقاء يومهم هذا " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (3 /424)
وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله :
قال سبحانه مخاطبًا الكفار وهم في النار : ( الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ
لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) ، وقال سبحانه في آية أخرى : ( فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ
رَبِّي وَلا يَنسَى ) ، فكيف نجمع بين الآيتين ؟
فأجاب :
" معنى النسيان المذكور في الآيتين مختلف ، فالنسيان الذي نفاه الله عن نفسه هو
النسيان الذي هو بمعنى الغفلة والذهول ، والله سبحانه منزه عن ذلك ؛ لأنه نقص وعيب
.
أما النسيان المثبت لله في قوله تعالى : ( نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) فمعناه :
تركهم في الضلال وإعراضه سبحانه عنهم ، وذلك من باب المقابلة والمجازاة ، فإنهم لما
تركوا أوامره وأعرضوا عن دينه تركهم الله وأعرض عنهم ، وكلمة النسيان لفظ مشترك
يفسر في كل مقام بحسبه وعلى مقتضاه اللغوي ، وهذا مثل مكره سبحانه بالماكرين ،
وسخريته من الساخرين ، واستهزائه بالمستهزئين ، كله من باب المجازاة والمقابلة ،
وهو عدل وكمال منه سبحانه " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (46 /1-2)
وعلى ذلك : فالقول المذكور في السؤال : " لا تنس الله فينساك " ، معناه صحيح ، بل هو موافق لما جاء به القرآن في مواضع ، وعلى معنى : لا تنس أوامر الله وطاعته ، فتتركها إهمالا وتضييعا لها ، فيعاقبك الله بجنس عملك وتضييعك ، فيحرمك من توفيقه ورحمته ، ويتركك في عذابه .
والله تعالى أعلم .
راجع جواب السؤال رقم : (34854)
تعليق