الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

تسأل عن حكم شرب ماء قرأ عليه سورة يس لعلاج الشكوك

السؤال

أعاني من بعض الشبهات ، وأحتاج لبعض التوضيح ، حيث إني أعاني من ألم في نصف الرأس ، ونشدت العلاج الطبي ، وسألت ما إذا كنت أعاني من مشاكل في الغدة الدرقية ، فلم أجد شيئا والحمد لله ، أخبرني شخص ما أن شرب " ماء ياسين " قد يساعدني في الشفاء ، ولكني صراحة أصابني بعض الإحباط واليأس ، فلذا أدعو الله عز وجل كي يخفف عني ، فما رأيكم في هذا الأمر ، وكيف يتخلص الإنسان من هذا الشعور؟

الجواب

الحمد لله.


ما ننصحك به – قبل بيان الحكم الشرعي – هو الارتفاع على الآلام ، وتجاوز الابتلاء بخير ما يتجاوز به المؤمنون ، والصبر على الشدة بالإعراض عنها ، والسعي نحو الاشتغال بما ينسيها ، وسلوك سبيل العلاج في خطوات هادئة صبورة لا تكل ولا تمل ، ولا يحبطها الفشل كما لا يعيقها استبطاء الفرج ، فلله عز وجل الحكمة في شأنه كله .
وكل إنسان في هذه الدنيا ينبغي أن يوطن نفسه على تحمل البلاء ، والتعرض لأنواع المحن ، فذلك شأن الدنيا الفانية التي جبلت على الأكدار ، وقد قال الله عز وجل : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة/155-157.
والمؤمن يتذكر دائما رحمة الله عز وجل ، ولا يقنط من أن يناله كرم ربه سبحانه بالشفاء وإجابة الدعاء ولو بعد حين ، وهو في ذلك يتأمل فيما حوله من مآسي البشر ، فمنهم الفقير الذي لا يجد لقمة سائغة ، ومنهم المريض الذي يقتله الألم كل لحظة ، ومنهم المشرد ، ومنهم الأسير المعذب ، ومنهم المبتلى بأهله وأبنائه ، ومنهم الخائف في وطنه ...إلى قائمة لا تنتهي من أنواع الابتلاء ، ومن تأمل فيها عرف أنه لا مفر من الصبر ، فليكن صبر الرضا أفضل من صبر الإكراه ، وهو الذي يكتب الله عليه الأجر والثواب ، وإذا كان الرسل والأنبياء – وهم أكرم الخلق وأحبهم إلى الله عز وجل – قد حل بهم البلاء ، وطال عليهم الألم ، ولم يكن ذلك سببا في يأسهم وقنوطهم من رحمة الله ، نوح عليه السلام يلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وهم يتهمونه ويحاربونه ، يعقوب ويوسف عليهما السلام ابتليا بالفراق سنوات طويلة حتى أصيبت عينا يعقوب عليه السلام ، موسى عليه السلام طرد من أرضه وخرج منها خائفا يترقب ، زكريا ويحيى عليهما السلام قتلهما بنو إسرائيل ، عيسى عليه السلام همَّ قومُه بصلبه فرفعه الله إليه ، ومحمد عليه الصلاة والسلام أخرجه قومه من أرضه ، وسبوه وشتموه وهموا بقتله ، والقائمة أطول من ذلك ، من أراد التعرف إليها فليقلب نظره في كتاب الله تعالى ، وليستشعر معاني الآيات التي يتلوها ، فسيجد فيها خير سلوان .
فأحرى بنا – ونحن العبيد الضعفاء – أن لا نستعجل كشف الضراء ، وأن نقوم بواجبنا بالصبر والرضا ، ونكل القدر إلى الله عز وجل ، فهو الحكيم الذي يصرف أمور الدنيا كلها بما يشاء .
وذلك كله لا يمنع الاستعانة بالرقية الشرعية التي قد يكتب الله بها الشفاء ، فقد قال الله عز وجل : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )
يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
" يشمل كونه شفاء للقلب من أمراضه ، كالشك والنفاق وغير ذلك ، وكونه شفاء للأجسام إذا رقى عليها به ، كما تدل له قصة الذي رقى الرجل اللديغ بالفاتحة ، وهي صحيحة مشهورة " انتهى من " أضواء البيان " (3/253) .

غير أن تخصيص آيات معينة أو سورة معينة ، مثل سورة " يس " لعلاج أمراض معينة ، ويرافق ذلك تحديد أعداد خاصة ومواقيت خاصة لقراءة هذه الآيات والسور : كل ذلك ليس من السنة النبوية في شيء ، ولا يسعفه الدليل الشرعي ، بل نخشى أن يقع فاعل ذلك بالبدعة ، وقد سبق بيان ذلك في موقعنا في الجواب رقم : (123155) .

أما من شرب الماء الذي قرئت عليه سورة " يس " بعض المرات ، ولم يعتقد لها فضلا شرعيا خاصا : فلا حرج عليه ، وإن كان الأفضل الرقية بما ثبتت به الأدلة الشرعية ، كقراءة سورة الفاتحة على الماء ، والمعوذتين ، وآية الكرسي ، ونحوها مما سبق بيانه في موقعنا في قسم ( الرقية ) ، ومنها جواب رقم : (3476) .

كما سبق في موقعنا العديد من الأجوبة التي تقترح بعض وسائل علاج الشكوك والوساوس التي ترد على الأذهان ولا يستطيع المصاب لها دفعا ، يمكن مراجعتها في الأرقام الآتية :
(62839) ، (102851) ، (107150)
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب