الحمد لله.
أولاً :
قد سعدنا جداً بهذه الرسالة الطيبة ، ونحمد الله تعالى أن وفقك إلى الحرص على دينك ، والتمسك بأمر ربك ، والصبر على ما تلاقينه من الأذى في سبيل ذلك ، وقد أمر الله تعالى عباده بالصبر ، والمصابرة ، والثبات على طاعته مهما وجدوا من الأذى ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) آل عمران/200 ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت/69
واعلمي يا أمة الله أن ما تلاقينه من تضييق وأذى ، من أجل أداء ما أوجبه الله عليك من العبادات والفرائض ، والتزام الحجاب : كل ذلك في سبيل الله ، وتحملك لذلك الأذى ، وهذه المتاعب : هو أفضل أنواع الصبر التي أمر الله بها عباده : الصبر على طاعة الله ، والصبر على ما يصيب العبد من الأذى في سبيل دينه ، وبسبب تمسكه به ، وقد أخبرنا الله تعالى أن رسله أعلنوا لأقوامهم أنهم ثابتون على طريق ربهم الذي هداهم إليه ، مهما أصابهم من أذى قومهم : ( وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) إبراهيم/12 .
وفي الحديث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ )
قيل : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ : ( أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ) . رواه أبو داود (4343) وقواه الألباني .
وتأملي هذا النموذج الحي من حال السابقين ، وحرصهم على طاعة رب العالمين ، وتحملهم للشدائد والأهوال في سبيل ذلك :
عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: ( كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ..) رواه البخاري (3612) .
وأما حال أمك : فهو حال عجب ، بل حال أسى وحزن ؛ فبدلا من أن تتمسك الأم بدينها ، وتكون قدوة لابنتها ، ومعلمة لها : صار حالها إلى ما تقولين ؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون ، فنسأل الله أن يهدي قلبها لدينه ، ويشرح صدرها له ، ويكفيك شرها .
وإياك - يا أمة الله - أن يصدك حال أمك ، وعنادها لك عن دين الله تعالى ، أو يصرفك عن طريقه ، ولا عبرة بغضبها عليك لأجل طاعتك لربك ؛ فطاعة الله مقدمة على طاعة كل أحد ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840)، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) رواه أحمد (1098).
ثانيا :
إذا كنت لا تتمكنين من أداء الصلوات ، أو غيرها من أوامر ربك ، أو البعد عن شيء مما حرمه الله ، إلا بالكذب على أمك : فلا حرج عليك ، إن شاء الله ، في أن تكذبي عليها .
وإن كان الأفضل لك أن تستعملي التورية في كلامك ؛ بمعنى : أن تخبريها بالكلام الذي يريحها ، ويعفيك من أذاها ، ويكون في نيتك معنى صحيح ، لا تنتبه هي إليه ؛ فمثلا : إذا سألتك : هل صليتك ؟ تقولين : لا !! ويكون في نيتك : أنك لم تصلي التراويح ، مثلا ، أو قيام الليل ، أو : لم تصلي إلا الفرض ، أو نحو من ذلك .
وأما لبس الحجاب : فحاولي أن تقنعيها بأن هذا أمر ربك ، وأن هذا أيضا هو اختيارك ، واجتهدي في أن تتقي شرها وأذاها لك ، بما يمكنك ، واستعيني بربك أن يهدي قلبها ، ويصرف عنك شرها .
ثالثا :
المسافر له أن يترخص برخص السفر ، ومن هذه الرخص : أن الصلاة الرباعية ( الظهر ، العصر ، العشاء ) يصليها المسافر ركعتين فقط ، وهذا سوف يسهل لك أداء الصلاة إذا كنت في صحبة والدتك ، لأن وقت الركعتين سوف يكون أقصر من الأربع .
ومن رخص المسافر أيضا : أن يجمع بين الصلاتين : فيصلي الظهر والعصر في وقت واحد ، يصلي الظهر ركعتين ، ثم يصلي العصر ركعتين ، ولها أن يجعل ذلك الجمع تقديما ، يعني : يصليهما في وقت الظهر ، وقبل أن يدخل وقت العصر المعتاد ، أو يجعل جمعهما تأخيرا : فإذا دخل وقت الظهر : لم يصل ، وانتظر حتى يدخل وقت العصر ، فيصليهما جميعا .
وهكذا تجمعين بين المغرب والعشاء ، تقديما ، أو تأخيرا ، لكن مع ملاحظة أن المغرب لا تقصر في السفر ، بل تصلى ثلاث ركعات على حالها .
وأما الفجر : فتصلى ركعتين في وقتها ، من طلوع الفجر ، حتى شروق الشمس .
وهذا الجمع يفيدك : فبإمكانك أن تختاري الوقت الذي تغفل أمك عنك فيه ، أو تنشغل بشيء ما ، أو توهمينها أنك تذهبين إلى دورات المياه ، أو نحو ذلك ، أو تصلين إذا نزلتم في الاستراحة بعيدا عنها ، أو بعد الوصول ، إن كان يصل قبل خروج وقت الصلاة الثانية . وهكذا .
وينظر الأجوبة : (82658) و(105109) و(38079).
وأخيرا : نصيحتنا لك أن تثبتي ، يا أمة الله ، على ما أنت عليه من طاعة ربك ، والحرص على مرضاته ، والزمي ذكر ربك ، وتلاوة كتابه : ليطمئن قلبك ، ويزيدك هدى ، واجتهدي في تعلم أحكام دينك ، والالتزام بها ، على قدر طاقتك ، إلى أن يجعل الله لك فرجا ومخرجا مما أنت فيه .
والله أعلم .
تعليق