الحمد لله.
أولا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (84270) ، (177221) أن باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأسماء والصفات .
ثانيا :
يجوز الإخبار عن الله تعالى بما لا يتضمن نقصاً ، أما ما يتضمن النقص أو يوهمه فلا يجوز الإخبار عن الله تعالى به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يُفَرّقُ بَيْنَ دُعَائِهِ وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ ، فَلَا يُدْعَى إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى ؛ وَأَمَّا الْإِخْبَارُ عَنْهُ : فَلَا يَكُونُ بِاسْمِ سَيِّئٍ ؛ لَكِنْ قَدْ يَكُونُ بِاسْمِ حَسَنٍ ، أَوْ بِاسْمِ لَيْسَ بِسَيِّئِ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِحُسْنِهِ ، مِثْلَ اسْمِ شَيْءٍ وَذَاتٍ وَمَوْجُودٍ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (6/ 142) .
ثالثا :
يحسن الإخبار عن الله تعالى بما يجوز الإخبار به عنه عند الحاجة إلى ذلك ، كالرد على المبتدعة ، أو التنزل عند المجادلة أو تفسير معنى الصفة ونحو ذلك ، ولا ينبغي أن يتوسع فيه الإنسان بما لا حاجة إليه ، حتى ربما جره ذلك إلى الإخبار بما لا يليق .
وقد روى البخاري (7418) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما : " أن نَاسا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ دخلوا على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا : جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ ؟ قَالَ : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ) .
وفي رواية : ( كان الله ولم يكن شيء غيره ) ، وفي أخرى : ( ولم يكن شيء معه ) راجع الفتح (6/289)
فإذا كان مراد القائل بذلك : الإخبار عن وجود الله تعالى في الأزل ، وأنه لم يزل ، ولا يزال موجودا ، يستحيل عليه أن يغيب عن ملكه وسلطانه ، ويستحيل أن يكون قد أتى عليه وقت في الأزل لم يكن فيه موجودا ، كما يستحيل أن يأتي عليه وقت في الأبد لا يكون فيه موجودا ؛ بل كل شيء هالك إلا وجهه ، كما قال تعالى : ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) القصص/88 ، وقال تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن/16- 17 ، وكما ثبت في دعاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنه كَانَ يَقُولُ: ( اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْ تُضِلَّنِي ، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ ) رواه مسلم (2717) .
إذا كان مراد القائل هذا المعنى ، فلا حرج في إطلاق ذلك على الله ، والإخبار عنه بأنه كائن ، أي موجود ، باق ، سبحانه وتعالى .
وقد جاء مثل ذلك في كلام السلف .
روى الإمام أحمد (10957) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/ 40) من طريق جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ , عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَسْأَلُكُمُ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ , حَتَّى يَسْأَلُوكُمْ : هَذَا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ ) قَالَ جَعْفَرٌ: فَحَدَّثَنِي رَجُلٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , قَالَ جَعْفَرٌ كَانَ يَرْفَعُهُ : ( فَإِنْ سُئِلْتُمْ فَقُولُوا : اللَّهُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ كَائِنٌ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ) .
وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن رجالا سترفع بهم المسألة حتى يقولوا : الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ ) .
فكان معمر يصل في هذا الحديث ، فيقول : ( الله خلق كل شيء ، وهو قبل كل شيء ، وهو كائن بعد كل شيء ) .
رواه عبد الرزاق في "المصنف" (11 /244) ، ورفع هذه الزيادة ( كائن ) [ أي : نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] : ضعيف .
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره (15664) بسند صحيح عن مُحَمَّد بْن حَمْزَةَ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ أَنَّ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلامُ- لَمَّا انْتَهَى إِلَى الْبَحْرِ قَالَ : ( يَا مَنْ كَانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَالْكَائِنُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ : اجْعَلْ لَنَا مَخْرَجًا ) .
وروى الإمام أحمد في الزهد (345) عَنْ وَهْبٍ قَالَ: " قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا رَبِّ ، إِنَّهُمْ يَسْأَلُونَنِي كَيْفَ كَانَ بَدْؤُكَ؟ قَالَ: ( فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي الْكَائِنُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْمُكَوِّنُ لِكُلِّ شَيْءٍ ، وَالْكَائِنُ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ ) .
وينظر أيضا : "مدارج السالكين" (3/ 183) .
أما إذا أطلقت هذه اللفظة على الله تعالى ، فأوهمت في سياقها نقصا ، أو جراءة على مقام الله جل جلاله : حرم ذلك ، وحرم إطلاق كل ما يوهم نقصا في حق جل وعلا ، لكن ذلك ، كما قلنا لم يكن بأصل وضع الكلمة ، وإنما هو بحسب دلالتها السياقية ، أو العرفية .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (48964) .
والله أعلم .
تعليق