الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

له عدة أسئلة حول انتقال النجاسة من الأشياء الجافة أو الرطبة

السؤال

أنا محتار بشأن الطهارة وكيف يظل المرء على طهارة. فقد قرأت على موقعكم أن النجاسة تنتقل من خلال الأشياء المبللة وليس من خلال الأشياء أو الأسطح الرطبة ، فماذا عن السوائل الأخرى كالعسل أو الكريمات.. هل تنتقل النجاسة من خلالها؟ إنني اقوم بالعناية بشخص مريض لا يستطع المشي وكجزء من واجبي نحوه ، فإني أقوم بتنظيفه بعد أن يتغوط.. فما الحكم هنا؟ وإذا كانت النجاسة قابلة للانتقال من سطح مبلل إلى آخره، فهل ينطبق هذا الكلام على النجاسة بجميع أنواعها سواء المرئية أو غير المرئية؟ وهل يمكن أن تنتقل النجاسة إلى اليد المتعرقة؟ وماذا لو أني وضعت قدميّ في ماء نجس (ماء المجاري مثلاً) ثم أخرجتهما وتركتهما إلى أن جفّتا ثم لبست الجوارب، فتبللت قدمي والجوارب بفعل العرق.. فهل تصبح الجوارب نجسة؟ إنني محتار بشأن كل هذه التفاصيل، فأرجوا منكم التوضيح.

الجواب

الحمد لله.

أولاً:
لم يسبق في موقعنا التفريق بين الأشياء المبللة ، والأشياء الرطبة ، من حيث حكم النجاسة ؛ بل المبلل والرطب حكمها واحد في ذلك ؛ وإنما الفرق هو بين المبلل ( الرطب بالنجاسة ) ، واليابس ( الجاف ) .
فالنجاسة الجافة لا تتعدى محلها إذا لاقت شيئاً جافاً مثلها ، وهذا أمر مشاهد بالحس ؛ فإن الشيء اليابس الجاف لا تظهر فيه شيء من صفات النجاسة ( لون ، طعم ، ريح ) بمجرد ملاقاتها وهي يابسة مثله .

قال السيوطي رحمه الله: " قاعدة: " قال القمولي في الجواهر: النجس إذا لاقي شيئاً طاهراً وهما جافان لا ينجسه " انتهى من "الأشباه والنظائر" (1/432).
وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: " لا يضر لمس النجاسة اليابسة بالبدن والثوب اليابس...؛ لأن النجاسة إنما تتعدى مع رطوبتها " انتهى من "فتاوى إسلامية"(1/194).

وأما إذا كانت رطبة : فالغالب أنها تتعدى محلها، سواء لاقت مكاناً رطباً أو جافاً.

ثانياً:
العسل والكريمات ونحوها من الأعيان المائعة : تتأثر بالنجاسات إذا خالطتها ، فتحمل النجاسات ، وتنتقل النجاسات من خلالها أيضا ؛ لا سيما إذا كان القدر الذي وقعت فيه النجاسة قليلا تنتشر النجاسة فيه ، وليس كثيرا بحيث يقتصر تأثير النجاسة على ما حولها من المائع فقط .

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ فَقَالَ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَقَالَ : ( أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ ) رواه البخاري (5538) .

فقوله صلى الله عليه وسلم : ( وما حوله ) : دليل على أن ما حول الميتة النجسة ، قد تأثر بنجاستها ، وهذا لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف فيما زاد على ذلك من المائع .
وعلى كل حال : فالذي يعنينا هنا أن المائعات تتأثر بالنجاسات ، كما يتأثر بها الماء ، وأولى ، لأن في الماء من قوة دفع النجاسة ما ليس في غيره من المائعات .

ثالثاً:
لا فرق في ذلك بين النجاسة المرئية وغير المرئية ، كنجاسة البول مثلا ، ما دام قد علم إصابتها للمحل ، أو ظهر شيء من صفاتها فيه ؛ فالمحل ينجس بظهور واحد من آثار النجاسة الثلاثة فيه : لونها ، أو طعهما ، أو ريحها ؛ فإذا قدر بولا وقع على الثوب ، وكان لون الثوب بحيث لا يظهر فيه أثر ذلك البول ، فإن هذا لا يعني أن الثوب لم يتنجس .

لكن إن كانت النجاسة يسيرة ، بحيث لا تدرك بالعين ، مثل رذاذ البول ونحوه ، فمن أهل العلم من قال إنها يعفى عنها .
قال الشيرازي رحمه الله: " وإن كانت النجاسة مما لا يدركها الطرف ففيه ثلاثة طرق: من أصحابنا من قال: لا حكم لها; لأنها لا يمكن الاحتراز منها, فهي كغبار السرجين, ومنهم من قال : حكمها حكم سائر النجاسات; لأنها نجاسة متيقنة, فهي كالنجاسة التي يدركها الطرف.." انتهى.
قال النووي رحمه الله : "والصحيح المختار من هذا كله: لا ينجس الماء ولا الثوب, وبهذا قطع المحاملي في المقنع, ونقله في كتابيه عن أبي الطيب بن سلمة , وصححه الغزالي وصاحب العدة وغيرهما ; لتعذر الاحتراز وحصول الحرج, وقد قال الله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) والله أعلم " انتهى من "شرح المهذب" (1/178)
وقال المرداوي رحمه الله ، في سياق ما يعفى عنه من النجاسات : " وَمِنْهَا: مَا قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ بِمَا عُفِيَ عَنْهُ مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَاخْتَارَ الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ... وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَفْوَ عَنْ يَسِيرِ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ مُطْلَقًا، فِي الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهِمْ. حَتَّى بَعْرِ الْفَأْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ النَّظْمِ. قُلْت: قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت: الْأَوْلَى الْعَفْوُ عَنْهُ فِي الثِّيَابِ، وَالْأَطْعِمَةِ، لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ. وَلَا يَشُكُّ ذُو عَقْلٍ فِي عُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ. خُصُوصًا فِي الطَّوَاحِينِ، وَمَعَاصِرِ السُّكَّرِ، وَالزَّيْتِ، وَهُوَ أَشَقُّ صِيَانَةً مِنْ سُؤْرِ الْفَأْرِ، وَمِنْ دَمِ الذُّبَابِ. وَنَحْوِهِ وَرَجِيعِهِ وَقَدْ اخْتَارَ طَهَارَتَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. انْتَهَى. من "الإنصاف" (1/334) .
وقيل : لا يعفى عن يسير النجاسة ، ولو لم يدركها الطرف . وينظر : "كشاف القناع" (1/190).
وينظر جواب السؤال رقم (173495 ) ورقم (169846 ) .

رابعاً:
من السنة إذا تنجس الإنسان بادر بإزالة النجاسة ولا يدعها حتى تجف؛ لحديث أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ .
رواه البخاري(221)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع ، لأمرهم عند فراغه بصب الماء " انتهى من " فتح الباري "

خامساً:
إذا تعرقت الأقدام النجسة انتقلت النجاسة إلى الجوارب ولا بد ؛ لان النجاسة الرطبة ــ كما تقدم ــ تنتقل إلى غيرها ، ولو كان الموضع المُنتَقل إليه جافاً.

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب