السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

هل " القابض " من أسماء الله الحسنى ؟

218084

تاريخ النشر : 13-07-2014

المشاهدات : 29968

السؤال


هل صحيح أن هذه الأسماء الأربعة مذكورة في صحيح أبي داوود ؟ وهي القابض والباسط ، والمسعر , والرازق ؟ لو كانت الإجابة بنعم , فليس هناك مشكلة في إثبات الثلاثة الأخيرة ، لكن كيف نقول الله القابض ؟ ألا تبدو هذه صفة سلبية ؟ كيف أثبت ابن عثيمين اسم القابض على أنه اسم من أسماء الله , بالرغم من أن الحقيقة أنه ذكر في كتابه على أن أهم مبادئه أن أسماء الله كلها أسماء جمال ؟

الجواب

الحمد لله.


روى أبو داود (3451) ، والترمذي (1314) وصححه ، وابن ماجة (2200) عَنْ أَنَسٍ قال : " قال النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ ) .
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" ، وله شواهد .

استدل بعض أهل العلم بهذا الحديث ، على أن من أسماء الله تعالى : الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله :
" القاعدة في أسماء الله وصفاته أن كل ما أضيف إلى الله بصيغة المشتق ، كالخالق والخلاق والرازق والرزاق والفتاح فإنه اسم من أسمائه سبحانه وتعالى ، ومعلوم أن ما ورد في القرآن من هذا : لا يختلف الناس في اعتباره اسماً من أسمائه سبحانه وتعالى ؛ كأسمائه المذكورة في آخر سورة الحشر ، وأسمائه التي خُتِم بها كثير من الآيات ، كالعليم والخبير والحكيم والغفور وعالم الغيب وعلام الغيوب والقوي والمتين، وهكذا ما ورد في السنة من الألفاظ التي أضيفت إلى الله ، وهي بصيغة المشتق كما تقدم، ومن ذلك : الجميل ، الرفيق ، والمسعر ، والقابض ، والباسط ، كما جاء في الحديث " انتهى .
http://ar.islamway.net/fatwa/8532
وينظر : " المحلى " لابن حزم (6/ 282) ، " الاعتقاد " للبيهقي (ص59) ، " نيل الأوطار " للشوكاني (5/260) .

وذهب آخرون من أهل العلم : إلى أن هذه ليست من الأسماء الحسنى ، وإنما يُخبَر بها عن الله تعالى .
سئل الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله :
هل المسعر والقابض والباسط من أسماء الله عز وجل أم من صفاته ؟
فأجاب :
" لا أسماء ولا صفات ، ولا يجوز أن تكون أسماء ولا صفات ، ولكن الله يُخبَر عنه بأنه يفعل هذه الأشياء ، وباب الخبر واسع ، كما يقال : إن الله موجود ، وإنه شيء ، ولا يسمى بأنه موجود ، ولا بأنه شيء، وباب الخبر واسع " .
انتهى من " شرح العقيدة الواسطية " (10/ 17) بترقيم الشاملة آليا .
وهو ما قرره أيضا : الشيخ عبد المحسن العباد ، كما في " شرح سنن أبي داود " (18 /60)

فالمسألة محل خلاف بين أهل العلم ، والخلاف فيها سائغ ، وكلٌّ يتكلم بما أداه إليه اجتهاده .

ثانيا :
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" صفات الله تنقسم إلى قسمين :
ثبوتية ، وسلبية :
فالثبوتية : ما أثبتها الله لنفسه كالحياة ، والعلم ، والقدرة ، ويجب إثباتها لله على الوجه اللائق به ؛ لأن الله أثبتها لنفسه وهو أعلم بصفاته .
والسلبية : هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم ، فيجب نفيها عن الله لأن الله نفاها عن نفسه ، لكن يجب اعتقاد ثبوت ضدها لله على الوجه الأكمل ؛ لأن النفي لا يكون كمالا حتى يتضمن ثبوتا " .
انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (5 /15) .

القابض ، الباسط : من أسماء الله تعالى المتضمنة صفات ثبوتية لا سلبية ، وإنما هي من فعل الله في خلقه ، وتدبيره لأمر عباده .
ثم هي كمال محض ، وليست نقصا ، ولا سلبا محضا ، لو قدر أنها سلب ؛ فالله عز وجل ، لكمال اقتداره ، وقهره لخلقه على ما شاء ، وتصريفه لأمر خلقه : يبسط الرزق لمن يشاء ، ويقدر ، فليس هو بالذي يبسطه دائما ، من غير حكمة ، ولا هو بالذي يقبضه دائما من غير حكمة ، بل من كماله وجماله وجلاله : أن يبسط الرزق إذا شاء ، على من شاء ، ويقبضه : إذا شاء ، عمن شاء .
قال تعالى : ( إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) الإسراء/30 ، وقال تعالى أيضا : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) البقرة/245 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ أَيْ: أَنْفِقُوا وَلَا تُبَالُوا فَاللَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ يُضَيِّقُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فِي الرِّزْقِ وَيُوَسِّعُهُ عَلَى آخَرِينَ ، لَهُ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ فِي ذَلِكَ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَيْ: يوم القيامة " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (1/664) .

رابعا :
من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله , فإذا أطلق وحده أوهم نقصا ، تعالى الله عن ذلك , فمنها المعطي المانع , والقابض الباسط , والمعز المذل .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" أسماؤه تعالى منها ما يطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره وهو غالب الأسماء ، كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم ، وهذا يسوغ أن يدعى به مفردا ومقترنا بغيره فتقول: يا عزيز يا حليم يا غفور يا رحيم ، وأن يفرد كل اسم ، ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده ؛ بل مقرونا بمقابله ؛ كالمانع والضار والمنتقم ، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله ، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو ، فهو المعطي المانع ، الضار النافع ، المنتقم العفو ، المعز المذل ، لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله ، لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية ، وتدبير الخلق ، والتصرف فيهم ، عطاء ومنعا ، ونفعا وضرا ، وعفوا وانتقاما ، وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار : فلا يسوغ .
فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض ، فهي وإن تعددت : جارية مجرى الاسم الواحد ، ولذلك لم تجيء مفردة ، ولم تطلق عليه إلا مقترنة ، فاعلمه .
فلو قلت: يا مذل ، يا ضار ، يا مانع ، وأخبرت بذلك لم تكن مثنيا عليه ، ولا حامدا له ، حتى تذكر مقابلها " انتهى من " بدائع الفوائد " (1/ 167) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (20476) ، ورقم : (84270) .

والظاهر أن " القابض " ، عند من عده من أسماء الله الحسنى ، هو من هذا الباب ؛ ولا يظهر كماله إلا إذا اقترن باسم " الباسط " ؛ فإن الله هو القابض الباسط سبحانه.

قال الزجاج رحمه الله :
" ( الْقَابِض الباسط ) الْأَدَب فِي هذَيْن الاسمين أَن يذكرَا مَعًا ؛ لِأَن تَمام الْقُدْرَة بذكرهما مَعًا ، أَلا ترى أَنَّك إِذا قلت إِلَى فلَان قبض أَمْرِي وَبسطه دلا بمجموعها أَنَّك تُرِيدُ أَن جَمِيع أَمرك إِلَيْهِ " انتهى من " تفسير أسماء الله الحسنى " (ص 40) .
وقال الخطابي رحمه الله :
" ( القَابِضُ البَاسِطُ ) قدْ يَحْسُنُ فِي مِثل هذَيْنِ الاسْمين أنْ يُقْرَنَ أحَدُهُمَا في الذكْرِ بالآخَرِ، وَأنْ يُوصَلَ بِهِ فيَكُوْنَ ذَلِكَ أنْبَأ عَنِ القُدْرَةِ ، وَأدَلَّ عَلَى الحِكْمَةِ ، كَقَوْلهِ تعالى: ( وَاللهُ يَقْبِضُ ويبْسُطُ وَإلَيْهِ تُرْجَعُوْنَ ) البقرة/245 .
وَإذا ذَكَرْتَ القَابِضَ مُفْرَدَاً عَنِ البَاسِطِ : كُنْتَ كَأنكَ قَدْ قَصَرْتَ بِالصفَةِ عَلَى المَنْعِ والحِرْمَانِ ، وَإذَا أوْصَلْتَ أحَدَهُمَا بِالآخَرِ ، فَقَدْ جَمَعْتَ بَيْنَ الصِّفَتين ، مُنْبِئَاً عَنْ وَجْهِ الحِكْمَةِ فِيْهِمَا .
فَالقَابِضُ البَاسِطُ : هُوَ الذِي يُوَسِّعُ الرِّزْقَ وَيُقَترُهُ ، وَيَبْسُطُهُ بِجُوْدِهِ وَرَحْمَتِهِ ، ويقْبِضُهُ بِحِكْمَتِهِ عَلَى النظَرِ لِعَبْدِهِ كَقَوْلِهِ : (وَلَوْ بَسَطَ الله الرزْقَ لِعِبَاده لَبَغَوْا فِيْ الأرْضِ وَلَكِنْ يُنَزلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) الشورى/27 " انتهى من " شأن الدعاء " (1/ 57-58) .
وقال قوام السنة الأصبهاني ، رحمه الله :
" وَمن أَسمَاء اللَّه تَعَالَى: الْقَابِض الباسط : قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( وَالله يقبض ويبسط) وَمَعْنَاهُ : يُوسع الرزق ويقتره ، يبسطه بجوده ، ويقبضه بعدله ؛ عَلَى النّظر لعَبْدِهِ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْض ) " .
انتهى من " الحجة في بيان المحجة " (1/ 152) .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب