الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

ضرب زوجته فغادرت البيت وذهبت إلى المحاكم الوضعية لتحكم لها بالطلاق

219574

تاريخ النشر : 29-12-2014

المشاهدات : 107105

السؤال


أنا متزوج منذ ثلاث سنوات وأب لطفل ، أقيم في إحدى الدول الغربية طلبا للرزق ، وعازم على العودة حين يقترب الطفل من سن المدرسة ، اخترت زوجتي واختارتني على أساس الدين ؛ من المحافظة على الصلاة والحجاب وغيره . حصلت مشاكل زوجية بيني وبين زوجتي ، وقد أنفعل فأضربها ، وفي إحدى المرات ضربتها على رجلها ، فخرجت إلى بيت أبيها ورفضت السفر معي حيث نقيم ، وذهبت إلى القاضي الذي يحكم بالقانون الوضعي وطلبت أن يفصلها عني ، وأن يحكم لها بالنفقة ، ما نصيحتكم ؟

وإن حصل الفراق ، أنا مستعد للنفقة على ابني ، ولكن ما حكم المال الذي تأخذه مني نفقةً إذا حكم القاضي به ، وهل يجب عليها أن ترجع المهر؟ وهل يجوز لها أن تأخذ نفقة مني ثم تنفق منها على أتعاب المحامي الذي كلفته ؟

الجواب

الحمد لله.


لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته دون سبب معتبر شرعا ، من نشوز ، أو مخالفة لأمره ، فإن نشزت أو خالفت أمره : جاز له - بعد نصحها ، ووعظها ، وهجرها في المضجع - أن يضربها ، بشروط :
الأول: أن يكون الضرب غير مبرح ؛ إذ المقصود منه الزجر والتأديب ، لا الانتقام والقصاص .
الثاني : أن يتجنب الوجه والأماكن المـَخُوفة ؛ لأن المقصود منه التأديب لا الإتلاف .
الثالث : أن يغلب على ظنه أن الضرب سيفيد في علاج النشوز ، فإن غلب على ظنه عدم إفادته ، لم يجز له الإقدام عليه .
وليعلم الزوج – وغيره – أن من ضرب غيره سوطاً بغير حق : فإنه متوعد عليه بالعقوبة يوم القيامة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً ، اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة ) قال الهيثمي – رحمه الله - : رواه البزار والطبراني في " الأوسط " ، وإسنادهما حسن . " مجمع الزوائد " ( 10 / 353) ، وهو في الطبراني في " الكبير " ، وحسَّنه المنذري ، وصححه الألباني ، يراجع : " صحيح الترغيب والترهيب " ( 2291 ) ، ويراجع للفائدة الفتوى رقم : (150762).
فإن كنت أيها الزوج ، إنما تضرب زوجتك حال تمردها ونشوزها ، وبالشروط الشرعية للضرب التي سبق ذكرها ، فهنا لا يجوز لها طلب الطلاق ، لكن إن كرهت البقاء معك جاز لها أن تختلع منك ، بأن تتنازل لك عن حقوقها ، أو عن بعضها ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (26247) .
أما إن كنت قد اعتدت أن تضربها دون سبب ، بل لمجرد الخلاف بينكما، فهنا يجوز لها طلب الطلاق للضرر ؛ فقد نص أهل العلم على أن الزوجة لها طلب الطلاق إذا ضربها زوجها ضربا مؤلما دون سبب ، جاء في " شرح مختصر خليل للخرشي " (4 / 9): " إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ الزَّوْجَ يُضَارِرُ زَوْجَتَهُ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ مَرَّةً وَاحِدَةً ؛ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَإِنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ ، لِخَبَرِ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ، فَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ .
وَمِنْ الضَّرَرِ : قَطْعُ كَلَامِهِ عَنْهَا ، وَتَحْوِيلُ وَجْهِهِ عَنْهَا، وَضَرْبُهَا ضَرْبًا مُؤْلِمًا " انتهى.
فإن طلَّقْتَها في هذه الحالة ، وجب عليك أن توفيها حقها بالكلية ، ومنها النفقة فترة العدة ؛ لأن الْمُطَلَّقَةَ طَلاَقًا رَجْعِيًّا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَمَا يَلْزَمُهَا لِمَعِيشَتِهَا ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَامِلاً أَمْ غير حامل ، لِبَقَاءِ آثَارِ الزَّوْجِيَّةِ مُدَّةَ الْعِدَّةِ ، وهذا باتفاق أهل العلم ، كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (139833) .
وكذا يجب عليك أن توفيها كامل مهرها ، مقدمه ومؤخره ، فلا يجوز لك أن تأخذ منه شيئا ، قال تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء/ 20، 21 ، ولا يجوز لك أن تضيق عليها ، ولا أن تضارها لتتنازل لك عنه ، قال تعالى : (وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ)النساء/ 19 .
وفي كل حال ، سواء أكان من حقها طلب الطلاق للضرر ، أم لم يكن ذلك من حقها ، فلا يجوز لها التحاكم إلى المحاكم الوضعية التي تحكم بما يخالف شرع الله ويضاد حكمه ، إذ الواجب على المسلم أن يُحَكِّم شرعَ الله تعالى في جميع أحواله ، وما يحصِّله الشخص من مال ، أو منفعة عن طريق هذه المحاكم ، خلافاً لما شرعه الله تعالى فهو سحت ، وحرام ، لا يحل له الانتفاع به .
وأما إذا ثبت لها حق شرعي ، وقضى لها به قاض يعلم شرع الله ، ويقضي به ، إلا أنه ليس له سلطان لإلزام الخصم بما قضى به ، فلا حرج عليها ، أو على صاحب الحق أيا ما كان ، في أن يترافع إلى المحاكم الوضعية ، ليستنقذ له حقه الشرعي ، ويلزم خصمه به .
وينظر للفائدة : الفتوى رقم : (114850).
وإن كان من نصيحة لنا في هذا المقام فإنا ننصحك أن تصلح ما بينك وبين زوجك ، وأن تستوعب ما حدث بينكما من خلاف وشقاق ، فإن الرجل هو الذي يطالب بالصبر والتحمل ، والتغافل والتغاضي ، إذ هو أكمل دينا وأوفر عقلا ، وننصحك بأن تتجنب ضربها مستقبلا ، خصوصا إذا ظهر لك أن الضرب سيؤدي إلى عكس المطلوب من زجرها وتأديبها ، إلى الزيادة في التمرد والنشوز.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب