الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

لا يلزم إذا فعل العبد سيئة أن يعاقب عليها في الدنيا أو الآخرة .

220087

تاريخ النشر : 14-09-2014

المشاهدات : 26641

السؤال


لا أستطيع التوفيق بين الحديث الذي رواه مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ -رضي الله عنه- قال : " لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ". مما يعني أنه سيكون هنالك نوع من العقاب إذا لمس أحد امرأة سواء كان ذلك بشهوة أو بدون شهوة . وبين الحديث الذي رواه عبدالله ابن مسعود - رضي الله عنه- : "أنّ رجلاً قال: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا" أي أن الرجل قد فعل كل شيء معها إلا أن يجامعها ؛ وفي الحديث جاء ذكر الآية رقم 22 من سورة هود ، والحديث يدل على انتفاء العقاب !! فكيف نجمع بين الحديثين ؟ لقد كنت أظن أنّه حتى لو عفا الله عن شخص ما ، فإنه سيعاقب ، أو أن الله سيبتلي كل من يعصيه متعمداً ، لذا أرجو توضيح المسألة .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
روى الطبراني في " المعجم الكبير" (486) ، والروياني في "مسنده" (1283) عن مَعْقِل بْن يَسَارٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ ) .
وجوّد الشيخ الألباني رحمه الله إسناده في "الصحيحة" (226) ، وضعفه غيره .

وروى مسلم (2763) عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ ، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا ، فَأَنَا هَذَا ، فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ ، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ ؟
قَالَ : فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ ، فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا دَعَاهُ ، وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ : ( أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/ 114 ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِيَّ اللهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً ؟ قَالَ: ( بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً ) " .

ورواه البخاري (526) ، ومسلم (2763) ولفظه : " أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ، إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/ 114 ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِي هَذَا ؟ قَالَ: ( لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ ) ".
ولفظ مسلم :
" فَقَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ( لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي ) " .

ثانيا :
وجه الجمع بين الحديثين : أن الحديث الأول فيه الترهيب من مس المرأة الأجنبية ، وأن الرجل لو طعن في رأسه بمخيط من حديد : فهو خير له وأهون عليه من أن يمس امرأة لا يحل له مسها ، قال المناوي رحمه الله :
" ( خير لَهُ من أَن يمس امْرَأَة لَا تحل لَهُ ) : أَي لَا يحل لَهُ نِكَاحهَا ، وإذا كَانَ هَذَا فِي مُجَرّد الْمس ؛ فَمَا بالك بِمَا فَوْقه من نَحْو قبْلَة ومباشرة ؟ "
انتهى من "التيسير" (2/ 288) .
وقال الألباني رحمه الله :
" في الحديث : وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له " .
انتهى من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 448) .

فورد الحديث مورد الزجر ، مع الإشارة إلى ما يستحقه مَن مس الأجنبية من النكال .
لكن ليس فيه أنه يعاقب بذلك في الدنيا ، ولا في الآخرة ؛ بل عقاب من فعل ذلك مسكوت عن قدره ، وصفته ؛ وإن كان المفهوم من الحديث أن عقاب من فعل ذلك : أشد عليه من أن يضرب بمخيط في رأسه .
وأما الحديث الآخر : فورد لبيان واسع رحمة الله ، وعظيم فضله على التائبين ، وبيان فضل التوبة ، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وأن الحسنات يذهبن السيئات ، ولذلك جاء في الحديث الصحيح : ( وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ) رواه الترمذي (1987) ، وصححه ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع" (97) .

فالأول في بيان عظيم الجرم ، والثاني في بيان فضل الله على عباده ، وأن العبد إذا استوجب العقاب بالذنب الموجب للعقاب والنكال ، ثم تاب ، وأتبع السيئة التي عملها بحسنة ماحية : تاب الله عليه ، ومحا عنه سيئته .

والعبد المسلم إذا أذنب فهو في مشيئة الله :
- فإن شاء عفا عنه لأول وهلة ، فالله يرحم من يشاء ويعذب من يشاء .
- وإن شاء آخذه بذنبه وعاقبه عليه .
- وإن شاء محاه عنه بالتوبة ، أو بحسنات ماحية ، أو برحمة أرحم الراحمين ، أو بغير ذلك من أسباب رحمة الله لعبيده ، وعفوه عنهم ، وكرمه وتفضله عليهم .
- وإن شاء كفره عنه بالبلاء من مرض أو فقر أو غير ذلك .

فلا يلزم إذا فعل العبد سيئة أن يعاقب عليها ، أو يبتلى ، فقد يفعلها ويتوب ، فيتوب الله عليه ولا يؤاخذه بها ، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ، كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجة (4250) وحسنه الألباني في " صحيح ابن ماجة " .

انظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (21183) ، والسؤال رقم : (163383) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب