الحمد لله.
أولاً :
الأشياء التي أعدها الإنسان للتأجير والاستفادة من أجرتها يقال لها : " المُسْتَغَلَّات " ؛ لأنها تدر على صاحبها غلةً ودخلاً .
قال في "تاج العروس" (30/121): " اسْتَغلَّ المُسْتَغَلاَّتِ : أخذَ غَلَّتَها".
فالمستغلات : يقصد بها كل ما هو معد للإيجار ، كالعقارات والسيارات والحافلات والطائرات والسفن التي تنقل الركاب أو البضائع .... وغير ذلك .
والفرق بين " المستغلات" وبين " عروض التجارة" : أن عروض التجارة هي الأشياء التي يتخذها الإنسان ليبيع أعيانها ، أما المستغلات فهو لا يقصد بيع العين ، وإنما يقصد الاستفادة من ريعها .
ثانياً :
الذي عليه عامة العلماء أن أعيان "المستغلات" لا زكاة فيها ، فلا زكاة على العقارات
والسيارات والمصانع التي يؤجرها أصحابها. وإيجاب الزكاة فيها قول محدَث ، قال به
بعض العلماء المتأخرين .
قال الشوكاني عن زكاة المستغلات : " هذه مسألةٌ لا سمع بها أهل القرن الأول الذين
هم خير القرون ، ولا القرن الذي يليه ، ثم الذي يليه ، وإنما هي من الحوادث
والمسائل التي لم يَسمع بها أهل المذاهب الإسلامية على اختلاف أقوالهم وتباعد
أقطارهم ، ولا توجد عليها أثارة من علم لا من كتاب ولا سنة ولا قياس " انتهى من
"السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار" (2/27).
ويدل على عدم وجوب الزكاة في أعيان المستغلات :
1-أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد الأموال التي تجب فيها الزكاة ، فلم يجعل منها
ما يُستغل أو ما يُؤَجَّر من العقارات والدواب والآلات ونحوها ، ولو كانت الزكاة
واجبة فيها لبينها الرسول صلى الله عليه وسلم .
2- أن فقهاء المسلمين في مختلف الأعصار، وشتى الأقطار، لم يقولوا بوجوب الزكاة في
هذه المستغلات .
قال الشيخ عبد الله البسام رحمه الله تعالى : " فمسألة المستغلات هي مسألة قديمة
وليست جديدة ، هي موجودة في صدر الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي عهد
أصحابه وفي الصدر الأول ، فلم يحدث فيها تشريع جديد ، وإنما بقيت على الأصل فيها
[وهو عدم وجوب الزكاة] .
وكونها تضخمت وكثرت غلاتها ، وهذا أعتقد لا يغير من التشريع شيئًا ، التشريع لا
يزال باقيًا ؛ لأن التشريع يقع على الكثير والقليل". انتهى من "مجلة مجمع الفقه
الإسلامي" (2/126).
وقد سئل الإمام مالك : "عن الرجل تكون له سفينة اشتراها يكريها [أي : يؤجرها] إلى
مصر وإلى الأندلس، هل يقِّومُها في كل سنة ، ويخرج زكاة قيمتها؟.
فقال: لا يكون عليه أن يقومها[يعني : لا زكاة فيها] .
قال محمد بن رشد: لو اشتراها للتجارة لقوَّمها ، وإنما لم يقومها من أجل أنه
اشتراها للكراء".
انتهى من "البيان والتحصيل" (2/404).
وقال الإمام الشافعي : " كُلُّ مَالٍ مَا كَانَ ، لَيْسَ بِمَاشِيَةٍ وَلَا حَرْثٍ
وَلَا ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ ، يَحْتَاجُ إلَيْهِ ، أَوْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ ، أَوْ
يَسْتَغِلُّ مَالَهُ غَلَّةً مِنْهُ ، أَوْ يَدَّخِرُهُ وَلَا يُرِيدُ بِشَيْءٍ
مِنْهُ التِّجَارَةَ : فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِقِيمَةٍ " انتهى
من " الأم" (2/50).
وقال ابن مفلح : " وَلَا زَكَاةَ ... فِي قِيمَةِ مَا أُعِدَّ لِلْكِرَاءِ ، مِنْ
عَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا ، وفاقا للأئمة الثلاثة : أبي حنيفة ومالك
والشافعي" انتهى من " الفروع " (4/205).
ثالثاُ :
أما الغلة (الأجرة) المأخوذة من المستغلات : فالزكاة فيها واجبة ، بلا خلاف بين
العلماء ، إذا كانت مالاً زكوياً ، كالنقود .
ولكن اختلفوا متى يزكي هذه الغلة ؟ هل يزكيها عند قبضها ، أم بعد حولان الحول عليها
؟ والصحيح في هذا : أنه لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول ، فيخرج زكاتها ربع
العشر ، إن بلغت نصابا .
قَالَ الإمام مَالِكٌ : " الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي
إِجَارَةِ الْعَبِيدِ وَخَرَاجِهِمْ ، وَكِرَاءِ الْمَسَاكنِ ، وَكِتَابَةِ
الْمُكَاتَبِ : أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّكَاةُ ، قَلَّ
ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ
صَاحِبُهُ " انتهى من "الموطأ" (1/247).
وقال الإمام الشافعي : " وَالْعُرُوضُ الَّتِي لَمْ تُشْتَرَ لِلتِّجَارَةِ مِنْ
الْأَمْوَالِ : لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ بِأَنْفُسِهَا، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ دُورٌ
أَوْ حَمَّامَاتٌ لِغَلَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، أَوْ ثِيَابٌ كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ ،
أَوْ رَقِيقٌ كَثُرَ أَوْ قَلَّ : فَلَا زَكَاةَ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ لَا زَكَاةَ
فِي غَلَّاتِهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِي يَدَيْ مَالِكِهَا " .
انتهى من " الأم " (2/50).
قال ابن عبد البر: " هَوَ إِجْمَاعٌ مِنْ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ ؛
فَالْحَدِيثُ فيه مأثور عن علي وابن عُمَرَ : أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى
يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ... وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا بَيْنَ جَمَاعَةِ العلماء
، إلا ما جاء عن ابن عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ .... وَلَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ مِنَ
الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ ، وَلَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ". الاستذكار (3/159).
وقال ابن قدامة : " وَمِنْ أَجَّرَ دَارَهُ ، فَقَبَضَ كِرَاهَا : فَلَا زَكَاةَ
عَلَيْهِ فِيهِ ، حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ . وَعَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ
يُزَكِّيه إذَا اسْتَفَادَهُ .
وَالصَّحِيحُ : الْأَوَّلُ ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : (لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ).
"المغني" (4/247) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" أما إن كان العقار معدا للإجارة : فإن الزكاة لا تجب في أصله ، وإنما تجب في
الأجرة إذا بلغت النصاب ، وحال عليها الحول" انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز
" (14/167) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "العقار المعد للإجارة ، ليس فيه زكاة ، ،
لكن تجب الزكاة في أجرته إذا تم عليها الحول من العقد وهي عندك ، فإن أنفقتها قبل
تمام الحول فلا زكاة فيها؛ لأن الزكاة لا تجب في المال حتى يتم عليه الحول" .
انتهى من " فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (18/209) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء عمن اشترى عقارا ليسكن فيه ويؤجر الباقي ،
فهل عليه زكاة ؟
فأجابوا :
"تجب الزكاة في الأجرة إذا حال عليها الحول ، وإن أنفقت قبل تمام الحول فلا شيء
عليك.
أما العمارة نفسها فليس فيها زكاة ، لكونها لم تعد للبيع ، وإنما أعدت للسكن
والإسكان" .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (9/ 343) .
وفي "قرارات مجمع الفقه الإسلامي" :
أولًا : أنه لم يؤثر نص واضح يوجب الزكاة في العقارات والأراضي المأجورة .
ثانيًا: أنه لم يؤثر نص كذلك يوجب الزكاة الفورية في غلة العقارات والأراضي
المأجورة غير الزراعية .
ولذلك قرر:
أولًا: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة .
ثانيًا: أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع
اعتبار توفر شروط الزكاة ، وانتفاء الموانع" انتهى من " قرارات وتوصيات مجمع الفقه
الإسلامي" (ص: 2).
رابعا :
حول الأجرة يبدأ حسابه من أول العقد ، وليس من قبض الأجرة ، وقد سبق بيان ذلك في
السؤال رقم : (204754).
والله أعلم .
تعليق