الحمد لله.
لا بد بين يدي هذه الأسئلة من معرفة ثلاثة أمور هي :
أولا : أن كل شيء بقدر الله ، وكل ما يجري في هذا الوجود من خير وشر فهو بتقدير الله وتدبيره ومشيئته فإنه تعالى لا ربّ غيره ، ولا مدبّر معه .
ثانيا : يجب الإيمان بحكمته سبحانه وتعالى في أقداره ، فله الحكمة البالغة في كل ما يجري في هذا الوجود سواء أدركنا ذلك أم لم ندركه ، بل كثير من حِكم الله لا تبلغها عقول العباد ، فيجب التسليم لله تعالى وذلك بالإيمان بكمال حكمته ، ولا يجوز الاعتراض عليه في شرعه ولا في قدره .
ثالثا : أن الانتحار جريمة كبرى وسوء خاتمة ، فالذي يقتل نفسه فرارا من مصيبة أو ضائقة أو فقر أو نتيجة انفعال وغضب ، إنه بهذا يعرّض نفسه لعقوبة الله ، فقد قال سبحانه وتعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما . ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ) ، وثبت في الصحيحين عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يُلجم بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بسُم فسمّه في يده يتحسّاه في نار جهنم ... الحديث ) .
فما ذكر في هذه الحالة يجب أن يفوض الحكم فيه إلى الله سبحانه ، فالظاهر أن ما فعل هو انتحار لأنه علّق نفسه ، أي ربط عنقه في حبل فشنق نفسه ، فهو إما أن يكون انتحر أو أراد الانتحار فالله أعلم .
واما صلاح الوالدين واستقامتهما فهذا لا يمنع أن يبتليهما الله ببعض المصائب ليظهر بذلك صبرهما ، وليكون في ذلك تمحيص لذنوبهما فالمؤمن أمره كلّه خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن . فالابتلاء بالمصائب لا يدل على هوان العبد عند ربّه إذا كان مستقيما على طاعة الله ، فالإيمان بالله وطاعته وتقواه هي سبب الكرامة ، والكفر والفسوق والعصيان هي سبب الهوان ومن ابتلي بمصيبة فصبر كان ذلك رفعا لدرجاته ، والمصائب أنواع ، تكون مرضا ، وتكون فقد مال ، وتكون بفقد حبيب كابن ، أو أخ ، أو والد ، أو زوج أو زوجة ، فالله تعالى يبتلي عباده بالنعم والمصائب وهي الخير والشر كما قال تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ) . وإن كان الانتحار صدر عن جهل وكان الشخص مستقيما على طاعة الله محافظا على الصلوات فإنه يرجى له العفو من الله سبحانه وتعالى فإنه تعالى أرحم الراحمين ، وإن كان يعلم تحريم الانتحار ولكنه لجأ إلى ذلك ليتخلص من المشكلة التي ضاق بها فإنه على خطر من التعرض للوعيد والعقاب الذي ورد في الحديث ، ولكنه مع ذلك إن كان مؤمنا بالله ورسوله وموحدا لله غير مشرك ، فإنه تحت مشيئة الله إن شاء الله غفر له ، وإن شاء عذبه ، ثم إذا عذبه فإنه لا بد أن يخرجه من النار ، قال تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرّة من إيمان " .
وأما حاله عند تغسيله وتجهيزه وما ظهر به من المظهر الحسن فقد يستأنس به لحسن حاله ، وحسن عاقبته
وأنه معذور عند ربه ومغفور له ، ولكن لا يجزم بشيء من ذلك لأن هذه الأمور غاية ما تفيد أنها تبشر بخير . وإن كان المنتحر مسلما موحدا مصليا فيمكن الإحسان إليه بالدعاء له بالمغفرة بأن يغفر الله له ذنوبه ، ومن ذلك ما فعله بنفسه من التسبب في قتل نفسه . وأما ما ورد في السؤال من انتقاد الكيفية التي اختارها الله له ليموت بها فهذا نوع اعتراض على قدر الله ، فالله هو المقدّر ، وهو خالق كل شيء ، وكل شيء بقدره سبحانه ، وهو الحكيم العليم ، ولكن ما كان مخالفا لشرع الله فلا يحتج بالقدر عليه ، وما يجري في الوجود من هذه الأمور لا يجوز الاعتراض على الله في تقديرها فيجب الإيمان بالقدر ، والإيمان بحكمة الرب سبحانه وتعالى .
تعليق