الحمد لله.
لا يزول ملك الإنسان عن ماله بضياعه منه ، ولو طال الزمن ؛ بل يبقى ماله وحقه ، متى وجده ، فهو أحق به .
ولذلك أمر من وجد لقطة أن يعرفها سنة ، فإن جاء صاحبها دفعها إليه ، وإلا انتفع بها ، وكانت وديعة عنده ، هي أو قيمتها: إذا جاء صاحبها وهي باقية بعينها ردها عليه ، وإن كانت مستهلكة رد عليه بدلها أو قيمته .
روى البخاري (2372) ، ومسلم (1722) - واللفظ له - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: " سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللُّقَطَةِ ، فَقَالَ: (عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ، فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كُلْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) " .
فإذا ثبت ذلك ، كان لصاحب المال أن يتصدق بما ضاع من ماله ، على من وجده ، ويحتسب أجر صدقته عند الله ، وهو مأجور على قصده ذلك ونيته ، إن شاء الله .
ونظير ذلك : ما وراه مسلم (1552) عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ ، وَلَا يَرْزَؤُهُ (ينقصه) أَحَدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ)
قال القاري رحمه الله :
" (فَيَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الْمَغْرُوسِ أَوِ الْمَزْرُوعِ ( إِنْسَانٌ ) وَلَوْ بِالتَّعَدِّي ( أَوْ طَيْرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ ) أَيْ: وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ( إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ ) .
وَالْحَاصِلُ : أَنَّهُ بِأَيِّ سَبَبٍ يُؤْكَلُ مَالُ الْمُسْلِمِ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ ".
انتهى من "مرقاة المفاتيح" (4/ 1339) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن أكل منه طير؛ عصفور، أو حمامة، أو دجاجة، أو غيرها ولو حبة واحدة، فإنه له صدقة، سواء شاء ذلك أو لم يشأ، حتى لو فرض أن الإنسان حين زرع أو حين غرس لم يكن بباله هذا الأمر، فإنه إذا أكل منه صار له صدقة، وأعجب من ذلك لو سرق منه سارق، كما لو جاء شخص مثلاً إلى نخل وسرق منه تمراً، فإن لصاحبه في ذلك أجراً، مع أنه لو علم بهذا السارق لرفعه إلى المحكمة، ومع ذلك فإن الله تعالى يكتب له بهذه السرقة صدقة إلى يوم القيامة!
وفي هذا الحديث دليل على كثرة طرق الخير، وأن ما انتفع به الناس من الخير، فإن لصاحبه أجراً وله فيه الخير، سواء نوى أو لم ينو ...
وفي هذا دليل على أن المصالح والمنافع إذا انتفع الناس بها ، كانت خيراً لصاحبها وأجراً وإن لم ينو، فإن نوى زاد خيراً على خير، وآتاه الله تعالى من فضله أجراً عظيماً " .
انتهى مختصرا من "شرح رياض الصالحين" (2/ 195-196) .
وإذا ضاع من الإنسان شيء فهي مصيبة تكفر عنه من خطاياه ، فإن صبر عليها فله مزيد أجر وثواب (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/9 .
وإذا نوى الصدقة بهذا الشيء على من وجده أو أخذه كان ذلك أعظم أجرا له .
والله أعلم .
تعليق