الحمد لله.
نرجو من السائل الكريم أن يقدر علاج مشكلته القدر الطبيعي ، وألا يحاول تيئيس نفسه من بلوغه إلى أن يبلغ به الإحباط والتراجع ، ويفتح الباب واسعا للوقوع في الموبقات لا قدر الله .
وأول العلاج أن يقتنع بيسره
وسهولته ، وأن غاية ما يحتاج إليه إرادة وعزيمة لتجاوز هذه الأزمة المعيبة ، وإدراك
أنها لن تجر عليك سوى الهلاك والعار في الدنيا ، والعذاب في الآخرة .
وقد قرر أطباء النفس قديما وحديثا أن المشكلات النفسية التي تبقى في دائرة التمني
والخيال ، ولا ينجر صاحبها إلى التحقيق والعمل ، تبقى في دائرة العلاج السهلة
والميسورة ، وفي الوقت نفسه لا يجوز إهمالها والاستخفاف بها حتى تتطور إلى أمراض
مزمنة ، فعلاج المشكلة في بدايتها أسهل منه إذا استحكمت .
تذكر دائما في حلك وترحالك ،
في صحتك وسقمك ، وفي شغلك وفراغك ، أنك راحل إلى الله سبحانه إن عاجلا أو آجلا ،
وأنك إن واصلت هذا الطريق فلن تنال سعادتك الموهومة ؛ لأنها ليست بسعادة أصلا ،
وإنما هي أوهام وتمثلات من النفس الأمارة بالسوء ، ومن الشيطان الرجيم، يدعوك لترك
الزواج المباح من المرأة الجميلة العفيفة الصالحة التي هي خير متاع الدنيا ، والتي
يتفق بنو البشر من بداية التاريخ إلى نهايته أنها خير متاع الدنيا ، ولكنك تصر على
العدول عن ذلك إلى تعلق شاذ برجل مثلك !!
السعيد السليم هو الذي يدفع الأفكار السيئة عن قلبه ، فلا يتركها تستقر لحظة واحدة
، بل ينصرف عنها بالأفكار النافعة ، والأعمال الصالحة ، والانشغالات المباحة ، وهذا
جهد يحتاج إلى دربة وممارسة ، فلا تيأس ، فإن تعويد النفس على الأفكار والتخيلات
السليمة والطيبة يحتاج بعض الوقت .
وقد أرشدت الشريعة الكريمة إلى أبواب من العلاج الوقائي ، وذلك حين حرمت النظر
المحرم بشهوة ، فقال ابن قيم الجوزية رحمه الله : " جعل الله العين مرآة القلب ،
فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته ، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته " .
انتهى من " روضة المحبين " (130) .
وفي سؤالك ما يدل على تساهلك في هذه المعصية ، نظر الشهوة والفتنة سواء إلى بني
جنسك أم إلى الجنس الآخر ، الأمر الذي يؤدي لا محالة إلى استمرار التعلق المحرم ،
فكثير من التخيلات الفاسدة إنما يكون سببها النظر إلى ممارسات الفاسدين ، من الذين
اتخذوا الشهوات غاية وهدفا وإلها ، فما تركوا جحر شهوة إلا دخلوه ، وأغروا بذلك من
يتابعهم عبر الفضائيات والأفلام وغيرها، فيعلق في ذهنه كثير من تصرفاتهم الفاحشة
ويكون هو الضحية .
كما أن ممارسة العادة السرية تفتح باب التخيلات الفاسدة ، وتستجلبها بقوة تستنفد
طاقة كبيرة من الإنسان ، فلا بد أن تغلق أبواب الشرور هذه ، واستعن بمراجعة سؤال
رقم:(329) .
ونحن نذكرك هنا أن الزواج علاج حاسم ، إذ يتيح لك الممارسة الجنسية الطبيعية ،
والتي تخلصك من كثير من التصورات الفاسدة ولو بعد حين ، فلا تؤجله بدعوى تعلقك
الشاذ المحرم ، بل اقتحم أبوابه ، واجتهد في إنجاحه ، وستجد نفسك بإذن الله بدأت في
طريق العلاج .
يقول ابن الجوزي رحمه الله :
" تأملت في فوائد النكاح ومعانيه وموضوعه ، فرأيت أن الأصل الأكبر في وضعه وجود
النسل ، ثم رأيت هذا المقصود الأصلي يتبعه شيء آخر ، وهو استفراغ هذا الماء الذي
يؤذي دوام احتقانه ، فإنه إذا وقع به احتباسه أوجب أمراضا وجدد أفكارا رديئة ، وجلب
العشق والوسوسة إلى غير ذلك من الآفات " انتهى من " صيد الخاطر " (ص34) .
ونظنك قد قطعت بداية في العلاج حين حافظت على صلاتك ، ولكن كل صلاة تؤديها على
جنابة باطلة آثمة ، يجب عليك إعادتها والتوبة من إثمها ، انظر : (93321)
.
ولهذا فأنت تحتاج إلى تقوية معنى الصلاة في نفسك ، فهي تعني التذلل والتعبد لله
سبحانه وحده ، وليس لأحد سواه من الخلق ، وهي نجاتك من فساد النفس الذي تحاربه
بطهارة الصلة بالله عز وجل ؛ فالنفس تتحرك فيها التخيلات بمقتضى طبيعتها ، فإذا لم
يملأها الإنسان بحب الله ، ملأها الشيطان بحب الشهوات
يقول الإمام الشافعي رحمه الله : " ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل " .
والنصيحة الأخيرة لك أن تراجع الطبيب النفسي ، ولا تتردد في ذلك ، فستجد عنده ما
ليس عند غيره من العلاج ، وتأكد أن مشكلتك ليست متعذرة الحل ، ولا هي بالدرجة التي
تستحي من ذكرها عند الطبيب ، فإن قصرت في هذا الجانب فأنت المسؤول عن نفسك أمام
الله سبحانه .
نسأل الله لك طهارة القلب ونقاء النفس .
وننصحك بالاستعانة بمجموعة كبيرة من الفتاوى في موقعنا ، فيها الكثير من الأفكار
المعينة على تجاوز هذه الفواحش ، وهذه أرقامها : (7491)
، (20068)،
(101169)
، (166525)
، (200216) .
تعليق