الحمد لله.
أولاً :
السلع والعروض التي يقتنيها الإنسان للاستعمال والانتفاع الشخصي ، وهي التي يقال لها "أموال القنية " : لا زكاة فيها ، إلا إذا نوى بها التجارة .
ومن المهم في هذا الباب التفريق بين " نية البيع " و " نية التجارة " ، فنية البيع أعم من نية التجارة .
فبيع السلع يكون لمقاصد كثيرة كالتخلص من السلعة ، أو عدم الرغبة فيها أحيانا ، أو وجود ضائقة مالية ، أو الحاجة للنقد ، أو غير ذلك .
أما التجارة : فهي البيع بقصد التكسب والتربح .
والمعتبر في وجوب الزكاة : هو وجود نية التجارة لا مجرد نية البيع .
ثانياً :
إذا اشترى شيئاً من هذه السلع والعروض للتجارة والاستعمال معاً ، فلهذه المسالة عدة
صور:
1- أن يكون أصل شرائه العرض للقنية والانتفاع الشخصي ، ولكن في نيته إن وجد فيها
ربحاً مناسباً باعها .
كأن يشتري سيارة للاستعمال أو عقارا للسكنى ، وفي قرارة نفسه لو وجد من يشتريه منه
بربح باعه له.
فهذه لا زكاة فيها ؛ لأن نية القنية هي الأصل .
ففي "الدر المختار" (2/274): " أَوْ اشْتَرَى شَيْئًا لِلْقِنْيَةِ ، نَاوِيًا
أَنَّهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَهُ : لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ " انتهى .
وجاء في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني": "قال هشام: سألت محمداً [ أي محمد بن
الحسن الشيباني ] عن رجل اشترى جارية للخدمة ، وهو ينوي أنه إن أصاب ربحاً باعها .
قال: ليس فيها زكاة حتى يشتري وعزيمةُ أمره والغالب منه أن يشتريها للتجارة " انتهى
.
وفي "عيون المسائل" للسمرقندي الحنفي (ص: 42) : " وقَالَ هشام سألت محمداً : عن رجل
اشترى خادماً للخدمة وهو ينوي إن أصاب ربحاً باع ، هل فيها الزكاة؟
قَالَ: لا، هكذا شِرَى الناس إذا أصابوا ربحاً باعوه " انتهى .
أي هكذا يفعل الناس عادة ، فكل إنسان لو أصاب ربحاً فيما يملك قد يبيعه ، وهذا ليس
من عروض التجارة .
قال الشيخ ابن عثيمين : " لو كان عند إنسان عقارات لا يريد التجارة بها، ولكن لو
أُعطي ثمناً كثيراً باعها فإنها لا تكون عروض تجارة ؛ لأنه لم ينوها للتجارة ، وكل
إنسان إذا أتاه ثمن كثير فيما بيده، فالغالب أنه سيبيع ولو بيته ، أو سيارته ، أو
ما أشبه ذلك".
انتهى من "الشرح الممتع" (6/142).
2- أن يكون أصلُ شرائه
السلعة بنية المتاجرة والتربح ، ولكنه يستعملها وينتفع بها ريثما يتم البيع.
كمن يشتري سيارة أو شقة للتجارة ، وينتفع بهما – بالسكنى أو التأجير - حتى يجد
المشتري المناسب.
فتجب فيها زكاة العروض ، لأن نية التجارة هي الأصل ، وهي لا تنافي استمتاعه
وانتفاعه بالشيء قبل البيع .
في " حاشية ابن عابدين" (2/272) : " عبْدُ التِّجَارَةِ : إذَا أَرَادَ أَنْ
يَسْتَخْدِمَهُ سَنَتَيْنِ فَاسْتَخْدَمَهُ فَهُوَ لِلتِّجَارَةِ عَلَى حَالِهِ
إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ التِّجَارَةِ وَيَجْعَلَهُ لِلْخِدْمَةِ
".
3- أن تكون كلا النيتين
أساسيتين ومقصودتين ، وليست إحداهما تبعاً للأخرى.
ومثال ذلك : من يشتري شقة لتحقيق هدفين : السكنى فيها لمدة سنتين ، ثم بيعها
والتربح بها نظراً لارتفاع أسعار العقار المتزايد .
ومثله : أن تجتمع نية التأجير مع نية التجارة .
كمن اشترى عقارات بنية المتاجرة ببيعها ، وقصد تأجيرها فترة معينة قبل بيعها ، فهنا
اجتمع القصدان: القنية وهو التأجير ، والمتاجرة .
والذي عليه جمهور العلماء وجوب الزكاة في هذه الصورة ؛ لأن اقتران نية الانتفاع
بالسلعة قبل بيعها لا تُخرجها عن كونها عروض تجارة ، ما دامت نية التجارة مجزوماً
بها .
قال الشيخ ابن باز : " وأما الأراضي المعدة للتجارة وقد تُؤجر، ففيها الزكاة كل
سنة، تقوَّم وتخرج زكاة القيمة على حسب السعر وقت التقويم" انتهى من " مجموع فتاوى
ابن باز " (14/168)
وقد سبق نقل كلام العلماء في هذه الصورة في جواب السؤال : (211149)
.
4- أما من يشتري شيئا من
السلع بقصد الاستعمال أو التأجير ، وفي نيته بيعها بعد ذلك لانتهاء حاجته منها أو
استبدالها بغيرها أو لغير ذلك من الأسباب : فلا زكاة عليه فيها ؛ لعدم وجود نية
التجارة والتربح بالبيع .
ومثال ذلك : مكاتب تأجير السيارات التي تشتري السيارات بقصد تأجيرها لمدة سنتين أو
ثلاث ، ثم تبيعها لتشتري غيرها من السيارات الجديدة ، فهذه ليست من عروض التجارة ،
والزكاة تكون في الغلة فقط .
ففي " المحيط البرهاني في الفقه النعماني" (2/ 249) : " إذا اشترى جوالق بعشرة آلاف
درهم ليؤاجرها من الناس ، فحال عليها الحول: فلا زكاة فيها؛ لأنه اشتراها للغلة لا
للتجارة ، فإن كان في رأيه أنه يبيعها آخراً: فلا عبرة لهذا " انتهى .
والحاصل :
أن من اقتنى شيئاً من السلع بنية الاستعمال ونوى تبعاً أنه إن وجد فيه ربحا باعه :
فلا زكاة عليه .
ومن اقتنى شيئاً من السلع بنية التجارة ، واستعمله وانتفع به ريثما يتم بيعه : فتجب
فيه الزكاة كل سنة حتى يتم بيعه .
وكذلك إذا قصد الاستعمال والانتفاع لمدة محددة قبل البيع : فتجب فيها زكاة العروض ؛
لأن نية الاستعمال أولاً لا تنافي كونها مرصدةً للتجارة.
والله أعلم .
تعليق