الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

استدلال الشيعة على صحة مذهبهم بالخوارق التي يزعمون حدوثها في كربلاء

259046

تاريخ النشر : 31-03-2017

المشاهدات : 8171

السؤال

ما هي أسس المعجزات في عصرنا اليوم ؛ لأن هناك الكثير من أصدقائي الشيعة ممن يشيدون بأن دينهم هو الأفضل ، وبأن لهم معجزات تحدث في كربلاء ... إلخ ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

المقصود بالمعجزات التي هي محل السؤال عنها: هي الأمور الخارقة للعادة التي تكون علامة للصلاح والاستقامة وإصابة الحق.

وهذا الخارق للعادة الذي يحصل للصالحين غير الأنبياء يسمى عند أغلب العلماء بـ "الكرامة"، وهو الذي استقر عليه الاصطلاح في العصور المتأخرة، ويخص مصطلح المعجزة بالآيات التي أعطاها الله تعالى لأنبيائه ورسله.

قال شيخ الإسلام  ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وإن كان اسم " المعجزة " يعم كل خارق للعادة في اللغة وعرف الأئمة المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل وغيره - ويسمونها: الآيات - لكن كثيرا من المتأخرين يفرق في اللفظ بينهما، فيجعل " المعجزة " للنبي و " الكرامة " للولي، وجماعهما الأمر الخارق للعادة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (11 / 311 – 312).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

" أما الكرامات، فهي جمع كرامة، والكرامة أمر خارق للعادة، يجريه الله تعالى على يد ولي، تأييدا له، أو إعانة، أو تثبيتا، أو نصرا للدين " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (8 / 626).

ثانيا :

هذه الكرامات قد تلتبس حقيقتها عند كثير من الناس بالسحر والشعوذة؛ فلهذا استخلص أهل العلم من نصوص الشرع  الضوابط التي تميز الكرامة عن السحر والشعوذة والخرافات؛ ومن هذه الضوابط:

الضابط الأول : أن يثبت وقوعها بالمشاهدة أو بالسند الصحيح بنقل الثقات العدول؛ فكثير من الكرامات التي تزعمها بعض الفرق كالشيعة والصوفية، وبعض الأديان الأخرى كالنصرانية وغيرها  هي مجرد خرافات وأساطير لا يمكن اثباتها بحال من الأحوال.

وهذا الضابط من الأمور المعقولة التي لا تحتاج إلى أدلة لإثباتها.

جاء في "العقيدة الطحاوية" بتعليق الشيخ الألباني رحمه الله تعالى (ص 106 – 107) :

" ونؤمن بما جاء من كراماتهم – يعني: كرامات الصالحين - وصح عن الثقات من رواياتهم .

قال الشيخ الألباني -معلقا- :

لقد أحسن المؤلف صنعا بتقييد ذلك بما صح من الروايات. ذلك لأن الناس وبخاصة المتأخرين منهم قد توسعوا في رواية الكرامات إلى درجة أنهم رووا باسمها الأباطيل التي لا يشك في بطلانها من له أدنى ذرة من عقل، بل إن فيها أحيانا ما هو الشرك الأكبر، وفي الربوبية! وكتاب "طبقات الأولياء" للشعراني من أوسع الكتب ذكرا لمثل تلك الأباطيل التي منها قول أحد أوليائه (!) : تركت قولي للشيء كن فيكون عشرين سنة أدبا مع الله! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا " انتهى.

وهذا الضابط لا يتحقق في كثير مما تزعمه الشيعة من الكرامات التي ينسبونها لبعض زوار تلك القبور التي يعظمونها؛ فأغلبها إن لم يكن كلها مجهول المصدر، ساقط الإسناد.

الضابط الثاني : الكرامة يكرم الله تعالى بها من هو متق لله تعالى ومتبع لأوامره ومجتنب لنواهيه، ولا تحدث لمن هو متلبس بمخالفة الشرع.

قال الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى :

" فإن قلت: فعلى هذا ما الفرق بين الكرامة وبين الاستدراج والأحوال الشيطانية؟

قيل: إذا كان الشخص مخالفًا للشرع، فما يجري له من هذه الأمور ليس بكرامة، بل هي إما استدراج وإما من عمل الشياطين، ويكون سببها هو ارتكاب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن المعاصي لا تكون سببا لكرامة الله، ولا يستعان بالكرامات عليها، فإذا كانت لا تحصل بالصلاة والذكر وقراءة القرآن والدعاء، بل تحصل بما تحبه الشياطين كالاستغاثة بغير الله، أو كانت مما يستعان بها على ظلم الخلق وفعل الفواحش، فهي من الأحوال الشيطانية لا من الكرامات الرحمانية، وكلما كان الإنسان أبعد عن الكتاب والسنة، كانت الخوارق الشيطانية له أقوى وأكثر من غيره، فإن الجن الذين يقترنون بالإنس: من جنسهم؛ ... بخلاف الكرامة، فإنها لا تحصل إلا بعبادة الله والتقرب إليه ودعائه وحده لا شريك له، والتمسك بكتابه، واجتناب المحرمات، فما يجري من هذا الضرب فهو كرامة. وقد اتفق على هذا الفرق جميع العلماء " انتهى من "تيسير العزيز الحميد" (ص 338 - 339).

وهذا الضابط أيضا ، لا يتحقق في ما تزعمه الشيعة من الكرامات التي ينسبونها إلى تلك القبور التي يعظمونها.

فإن ما تفعله الشيعة من تعظيم القبور والحج إليها والدعاء عندها، كما يفعل أهل الأصنام بأصنامهم هو أمر محرم، بل هو من الشرك بالله العظيم ، فكيف يكون ذلك سببا لكرامة من الرحمن ؟

ومجرد اتخاذ القبر مسجدا هو أمر محرم، فكيف بعبادة القبر وطلب دفع الضر وجلب النفع منه ؟!

عن عُبَيْد اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، قَالاَ: ( لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أي الموت - طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ . يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا ) رواه البخاري (435) ومسلم (531).

وراجع للفائدة الفتوى رقم (112867) ورقم (133081).

فالحاصل ؛ أن ما تزعمه الشيعة من كرامات لزوار القبور هي كلها أمور باطلة ؛ بل عامتها أكاذيب لا أصل لها ، أو من تلبيس الشيطان عليهم ، واستدراج لهم.

ثالثا:

لا يعرف صواب الرجل من خطئه ، ولا هداه من ضلاله ، بمجرد ما يظهر ، أو يظهر على يديه من خوارق العادات ، وغرائب الأمور ، وإلا فكم من السحرة والمشعوذين والدجالين ، قد أظهر ذلك ، وأضل الناس به ، وفتنهم عن دين رب العالمين .

وتأمل حال المسيح الدجال ، وما يجريه الله على يديه ، لتعلم أن مجرد الوقوف عند خوارق العادات ، وعجائب الأمور ، والحكم على دين الشخص من خلالها ، هو خطأ بين ، وسبب من أسباب اللبس والضلال .

وإنما الميزان العدل في ذلك : أن يعرض حال الرجل ، وأقواله ، وأفعاله ، على ميزان الكتاب والسنة؛ فما استقام من ذلك : فهو الهدى والصواب ، وما خرج عنهما : فذلك اللبس والضلال ، وإن طار صاحبه في الهواء ، أو مشى على الماء .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :

" فهؤلاء المبتدعون المخالفون للكتاب والسنة أحوالهم ليست من كرامات الصالحين؛ فإن كرامات الصالحين إنما تكون لأولياء الله المتقين؛ الذين قال الله فيهم: ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) وهم الذين يتقربون إلى الله بالفرائض التي فرضها عليهم، ثم بالنوافل التي ندبهم إليها...

ولهذا قال أهل العلم والدين - كأبي يزيد البسطامي وغيره -: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء: فلا تغتروا به ، حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي.

وقال الشافعي: لو رأيتم صاحب بدعة يطير في الهواء، فلا تغتروا به.

فأولياء الله المتقون : هم المتبعون لكتاب الله، وسنة رسوله، كما قال تعالى: ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) " انتهى من"مجموع الفتاوى" (11 / 665 - 666).

ثانيا:

أخي الكريم؛ حماية المسلم لنفسه ولأهله من سبل الفساد من أهم الأعمال التي أوجبها الله تعالى عليه؛ قال الله تعالى:

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم /6.

ومن أهم سبل النجاة من هذه النار هو اختيار الصحبة الصالحة المعينة على الخير ومفارقة أصحاب الفساد والضلال.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ )  رواه الترمذي (2395) وأبو داود (4832) وحسنه الألباني.

قال الخطابي رحمه الله تعالى :

" هذا إنما جاء في طعام الدعوة، دون طعام الحاجة، وذلك أن الله سبحانه قال ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) ، ومعلوم أن أسراهم كانوا كفاراً، غير مؤمنين ولا أتقياء .

وإنما حذر من صحبة من ليس بتقي، وزجر عن مخالطته ومؤاكلته، فان المطاعمة توقع الألفة والمودة في القلوب ، يقول لا تؤالف من ليس من أهل التقوى والورع، ولا تتخذه جليساً تطاعمه وتنادمه " انتهى من " معالم السنن " (4 / 115) .

وعن أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ وَنَافِخِ الكِيرِ ، فَحَامِلُ المِسْكِ : إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الكِيرِ : إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) رواه البخاري (5534) ومسلم (2628) .

قال النووي رحمه الله تعالى :

" وفيه فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة " انتهى من " شرح صحيح مسلم " (16 / 178) .

فالنصيحة لأمثالك أخي الكريم أن لا تجعل مثل هؤلاء الناس أصحاب البدع أهل مودتك وصحبتك؛ لأنه لا تُؤمَن شبهاتهم وأباطيلهم، ولا يلزم من هذا أن تخاصمهم وتقاطعهم بالكلية ، ما دامت هناك حاجة أو مصلحة ، في الدين أو الدنيا ، تدعو إلى مخالطتهم ، أو معاملتهم ؛ بل عاملهم بالحكمة وتألف قلوبهم إلى الحق بالمعاملة الحسنة، لكن اجعل أهل محبتك والمختصين بصحبتك من أهل الخير والصلاح المتبعين لأوامر الشرع وليس لمجرد خوارق العادات، ونسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب