الحمد لله.
"هذا قول من أقبح الأقوال ، وهذا من الكفر والشرك بالله عزَّ وجلَّ ؛ لأن الأولياء لا ينفعون ولا يضرون ، ولا يجلبون منافع ولا يدفعون مضاراً ، إذا كانوا أمواتاً ، إذا صح أن يسموا أولياء لأنهم معروفون بالعبادة والصلاح ، فإنهم لا ينفعون ولا يضرون ، بل النافع الضار هو الله وحده ، فهو الذي يجلب النفع للعباد ، وهو الذي يدفع عنهم الضر ، كما قال الله جل وعلا للنبي صلى الله عليه وسلم : (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) الأعراف/188 ، فهو النافع الضار سبحانه وتعالى .
قال سبحانه وتعالى في المشركين : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) يونس/18 ، فالله جل وعلا هو النافع الضار ، وجميع الخلق لا ينفعون ولا يضرون .
أما الأموات فظاهر ؛ لأنه قد انقطعت حركاتهم ، وذهبت حياتهم ، فلا ينفعون أنفسهم ولا غيرهم ، ولا يضرون ، لأنهم فقدوا الحياة ، وفقدوا القدرة على التصرف ، وهكذا في الحياة لا ينفعون ولا يضرون إلا بإذن الله ، ومن زعم أنهم مستقلون بالنفع والضر وهم أحياء كفر أيضاً ، بل النافع الضار هو الله وحده سبحانه وتعالى ، ولهذا لا تجوز عبادتهم ، ولا دعاؤهم ، ولا الاستغاثة بهم ، ولا النذر لهم ، ولا طلب المدد منهم .
ومن هذا يعلم كل ذي بصيرة أن ما يفعله الناس عند قبر البدوي ، أو عند قبر الحسين ، أو عند قبر موسى كاظم ، أو عند قبر الشيخ عبد القادر الجيلاني ، أو ما أشبه ذلك ، من طلب المدد والغوث أنه من الكفر بالله ، ومن الشرك بالله سبحانه وتعالى ، فيجب الحذر من ذلك ، والتوبة من ذلك ، والتواصي بترك ذلك .
ولا يُصلى خلف هؤلاء ، لأنهم مشركون ، وعملهم هذا شرك أكبر ، فلا يُصلى خلفهم ، ولا يُصلى على ميتهم ؛ لأنهم عملوا الشرك الأكبر الذي كانت عليه الجاهلية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، كأبي جهل وأشباهه من كفار مكة ، وعليه كفار العرب ؛ وهو دعاء الأموات والاستغاثة بهم أو بالأشجار والأحجار ، وهذا هو عين الشرك بالله عزَّ وجلَّ ، والله سبحانه يقول : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/88 .
والواجب على أهل العلم أن يبينوا لهم ، وأن يوضحوا لهم الحق ، وأن يرشدوهم إلى الصواب ، وأن يحذروهم من هذا الشرك بالله ، فيجب على العلماء في كل من مصر والشام ، والعراق ، ومكة ، والمدينة ، وسائر البلاد ، أن يرشدوا الناس ، ولا سيما عند وجود الحجاج ، فيجب أن يرشدوا ويبينوا لهم هذا الأمر العظيم ، والخطر الكبير ؛ لأن بعض الناس قد وقع فيه في بلاده فيجب أن يبين لهم توحيد الله ، ومعنى لا إله إلا الله ، وأن معناها لا معبود حق إلا الله ، فهي تنفي الشرك وتنفي العبادة لغير الله ، وتوجب العبادة لله وحده ، وهذا معنى قوله سبحانه : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) الإسراء/23 ، وقوله سبحانه : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) البينة/5 ، ومعنى قوله جل وعلا : (فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) الزمر/2 ،3 ، وقوله سبحانه : (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) غافر/14 .
فالواجب توجيه العباد إلى الخير ، وإرشادهم إلى توحيد الله ، وأن الواجب على كل إنسان أن يعبد الله وحده ، ويخصه بالعبادة ؛ من دعاء ، ورجاء ، وتوكل وطلب الغوث ، وصلاة ، وصيام ، إلى غير ذلك ، كله لله وحده ، ولا يجوز أبداً فعل شيء من ذلك لغير الله سبحانه وتعالى ، سواء كان نبياً أو ولياً أو غير ذلك .
فالنبي لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا بإذن الله ، ولكن يجب أن يُتَّبع ، ويطاع في الحق ، ويُحَبَّ المحبة الصادقة ، ونبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وأشرفهم ، ومع ذلك لا يُدعى من دون الله ، ولا يُستغاث به ، ولا يُسجد له ، ولا يُصلى له ، ولا يُطلب منه المدد ، ولكن يُتبع ، ويُصلى ويُسلم عليه ، ويجب أن يكون أحب إلينا من أنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا ، وغيرهم كما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) .
لكن هذه المحبة لا توجب أن نشرك به ، ولا تُسَوِّغ لنا أن ندعوه من دون الله ، أو نستغيث به ، أو نسأله المدد ، أو الشفاء .
ولكن نحبه المحبة الصادقة لأنه رسول الله إلينا ، ولأنه أفضل الخلق ، ولأنه بَلَّغ الرسالة ، وأَدَّى الأمانة ، نحبه في الله محبة صادقة فوق محبة الناس والمال والولد ، ولكن لا نعبده مع الله .
وهكذا الأولياء نحبهم في الله ، ونترحم عليهم ، من العلماء والعباد ، ولكن لا ندعوهم مع الله ، ولا نستغيث بهم ، ولا نطوف بقبورهم ، ولا نطلب منهم المدد ، كل هذا شرك بالله ولا يجوز .
والطواف بالكعبة لله وحده ، فالطواف بالقبر من أجل طلب الفائدة من الميت ، وطلب المدد ، وطلب الشفاء وطلب النصر على الأعداء كل هذا من الشرك بالله عز وجل ، فالواجب الحذر منه غاية الحذر . ومن وسائل الشرك بهم : البناء على قبورهم ، واتخاذ المساجد والقباب عليها ، ولهذا صح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) متفق على صحته ، وثبت في صحح مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه قال : (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ) ، وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي عَنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : (أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة" انتهى .
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (1/109 – 112) .
تعليق