الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

هل يمر الكفار على الصراط وما وجه ذكر الصراط عند المجوس وغيرهم ؟

266444

تاريخ النشر : 25-04-2017

المشاهدات : 44605

السؤال

أنا باحث في مقارنة الأديان ، ولدي سؤال عن الصراط المضروب على جهنم ؛ لأني وجدته بنفس الكيفية في آيات الافستا كتاب المجوس المقدس وبشكل مفصل بينما لم يذكر في القران الكريم بشكل واضح. يقول تعالي " وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ " تبين الآية الشريفة كيفية إدخال الكفار ، وهي أن الكفار يدخلون علي هيئة جماعات من أبواب جهنم وليس من خلال صراط مضروب على ظهرها فما هو الصراط ؟ وكيف يدخل الكفار النار من عليه ؟ مع أن الله قال أنهم يدخلون من أبوابها كجماعات ! وهل يعقل أن تكون فكرة الصراط عقيدة تسربت للإسلام من المجوس بعد فتح فارس ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

الصراط: جسر ينصب على ظهر جهنم، كما جاء مفسرا موضحا في الأحاديث الصحيحة، ولا يمر عليه الكفار، وإنما يمر عليه المؤمنون على تفاوت أحوالهم.

أما الكفار والمشركون فإنهم يدخلون جهنم جماعات قبل نصب الصراط.

ويدل على ذلك ما روى البخاري (6573) ومسلم (182) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحَابٌ قَالُوا: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، وَيَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا، فَإِذَا أَتَانَا رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ، وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَبِهِ كَلالِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أَمَا رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ " قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: " فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَتَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، مِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو) الحديث.

وروى البخاري (7439) ومسلم (183) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ: هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا؟، قُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ، إِلَّا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ: " يُنَادِي مُنَادٍ: لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ، وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ، وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ، فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ، وَلاَ وَلَدٌ، فَمَا تُرِيدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا، فَيُقَالُ: اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ، حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ: فَارَقْنَاهُمْ، وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ اليَوْمَ، وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا، قَالَ: فَيَأْتِيهِمُ الجَبَّارُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا، فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلَّا الأَنْبِيَاءُ، فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ؟ فَيَقُولُونَ: السَّاقُ، فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ، فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدَ، فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا، ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ "، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟ قَالَ: " مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ وَكَلاَلِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ، المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا) الحديث.

وهذا بين في أن الصراط إنما يؤتى به بعد ذهاب الكفار والمشركين إلى النار.

وعلى هذا فلا إشكال في آية الزمر من دخول الكفار إلى النار جماعات.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " واعلم أن الناس منقسمون إلى مؤمن يعبد الله وحده ولا شريك به شيئاً، ومشرك يعبد مع الله غيره، فأما المشركون فإنهم لا يمرون على الصراط إنما يقعون في النار قبل وضع الصراط، ويدل على ذلك ما في الصحيحين".

وذكر طرفا من حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري، ثم قال:

"فهذا الحديث صريح في أن كل من أظهر عبادة شيء سوى الله، كالمسيح وعزير من أهل الكتاب، فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع في النار قبل نصب الصراط" انتهى من "التخويف من النار" ص236

وقال الدكتور عمر سليمان الأشقر رحمه الله: " الذين يمرُّون على الصّراط هم المؤمنون دون المشركين.

دلت الأحاديث التي سقناها على أن الأمم الكافرة تتبع ما كانت تعبد من آلهة باطلة، فتسير تلك الآلهة بالعابدين، حتى تهوي بهم في النار، ثم يبقى بعد ذلك المؤمنون وفيهم المنافقون، وعصاة المؤمنين، وهؤلاء هم الذين ينصب لهم الصراط" انتهى  من "القيامة الكبرى" ص275

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لا يعبر الصراط إلا المؤمنون على قدر أعمالهم لحديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه: فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكدوس في جهنم . متفق عليه.

وفي صحيح مسلم: تجري بهم أعمالهم، ونبيكم قائم على الصراط يقول: يارب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا . وفي صحيح البخاري: حتى يمر آخرهم يسحب سحبا " انتهى من مجموع الفتاوى (5/ 69).

ثانيا:

ذكر عن الزرادشتية – المجوس – أنهم يثبتون الصراط ، وأنه: جسر فاصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات، يمر الجميع عبر هذا الجسر عند الوفاة، فإذا كان الشخص من الأشرار، سيضيق عليه الجسر، ويخرج شيطان ليسحب روحه إلى مكان العقاب الأبدي ، وإذا كان الشخص من الأخيار سيتسع الجسر بما فيه الكفاية ليعبر هذا الشخص بكل سلام.

وهذا المعنى –كما هو ظاهر- ليس هو الصراط الذي جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه ولم بإثباته .

وينظر للفائدة حول الزرادشتية – المجوس – وشيء من عقائدهم :

https://goo.gl/if96Pq

ولا إشكال عندنا في اشتمال عقائد المتقدمين على شيء يشبه ما في عقيدة المسلمين، فالغالب أن هذا مما أخذوه عن أنبيائهم، وبقي فيهم إلى ما بعد شركهم وانحرافهم، كما بقيت كثير من الشعائر والاعتقادات عند مشركي العرب مما تلقوه عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام، أو سمعوه من اليهود المجاورين لهم.

وقد قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) فاطر/24

وأما القول بأن الإسلام أخذ هذا منهم، فإن بطلان هذا القول أظهر من أن يحتاج إلى إقامة الأدلة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلع على شيء من عقائد هؤلاء المجوس ، بل ولا علوم أهل الكتاب السماوي من قبله ، وهو لا ينطق عن الهوى، إنما هو وحي يوحى.

وقد قال الله تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) العنكبوت/48-49

وقد قامت الأدلة على صحة دين الإسلام، وعلى إعجاز القرآن وأنه كلام الله، وعلى صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، مما لا يبقى معه شك لذي عقل اطلع عليها، فكيف يورد (مسلم) هذا الاحتمال؟!

ثم إننا ننبه إلى أن البحث في الأديان، والاطلاع على الشبهات، لا يكون إلا لمن تحصن بالعلم الصحيح، وتضلع من الكتاب والسنة، وإذا كنت تجهل ما ورد في الصحيحين في شأن الصراط، فكيف يسوغ لك النظر في كتاب المجوس ؟!

فالنصيحة لك : أن تطلب العلم الصحيح أولا، وأن لا تورد نفسك موارد الهلكة، فإن ضعيف العلم يكون كثير من الكلام والنظر والبحث : وبالًا عليه وشقاء .

وصدق من قال من السلف: القلوب ضعيفة، والشبه خطافة.

نسأل الله لك التوفيق والسداد.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب