الحمد لله.
أولا:
لا يجوز في عقد المضاربة أن يشترط العامل على نفسه أنه يضمن رأس المال للمشاركين به ، وإذا تم الاتفاق في الشركة على ضمان رأس المال، كان عقد الشركة فاسدا ، وكان لأصحاب المال الربح كله، وللعامل أجرة المثل، وقيل: له ربح مضاربة المثل. وينظر: جواب السؤال رقم : (255878) ، ورقم : (259981) .
ثانيا:
إذا أردتم فض الشركة، وكان المذكور قد ربح، فإن عليه أن يرد المال ونسبتكم من الأرباح.
وإن كان قد خسر، ففيه تفصيل:
1-إن كان ذلك بغير تفريط منه، فالخسارة توزع على قدر الأموال، ويخسر العامل عمله فقط. وإن كان مشاركا بمال وعمل، خسر من ماله كما يخسر غيره، بالنسب.
2-وإن كان ذلك بتفريط منه، تحمّل الخسارة، ولزمه رد رأس المال فقط.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (5/ 22): " الخسران في الشركة على كل واحد منهما [يعني: الشريكين] بقدر ماله ، فإن كان مالهما متساويا في القدر، فالخسران بينهما نصفين، وإن كان أثلاثا ، فالوضيعة [أي الخسارة] أثلاثا. لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم" انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (44/ 6): "اتفق الفقهاء على أن الخسارة في الشركات، عامة : تكون على الشركاء جميعا، بحسب رأس مال كل فيها، ولا يجوز اشتراط غير ذلك، قال ابن عابدين: ولا خلاف أن اشتراط الوضيعة بخلاف قدر رأس المال : باطل" انتهى.
وفيها (26/ 58): "اتفق الفقهاء على أن يد الشريك يد أمانة بالنسبة لمال الشركة، أيا كان نوعها. لأنه كالوديعة مال مقبوض بإذن مالكه، لا ليستوفي بدله، ولا يستوثق به.
والقاعدة في الأمانات أنها لا تُضمن إلا بالتعدي أو التقصير، وإذن فما لم يتعد الشريك أو يقصر، فإنه لا يضمن حصة شريكه، ولو ضاع مال الشركة أو تلف. ويُصدّق بيمينه في مقدار الربح والخسارة، وضياع المال أو تلفه كلا أو بعضا، ودعوى دفعه إلى شريكه" انتهى.
وبناء على ما ذكر في السؤال من أن هذا المضارب قد احتال على أصحاب الأموال ، وتعدى ما يحق له فيها ، وفرط في حفظها وصيانتها ... ؛ فإنه يضمن لأصحاب الأموال أموالهم ، لعدوانه عليها ، وخيانته للأمانة .
وإذا كان أحد الشركاء قد ضمنه ، وتكفل بأن يستخلص لكم ماله منه ، ولم يفعل ؛ فأقل ما يقال فيه : إنه لا يأخذ شيئا من هذا المال المستنقذ [ وهو ثمن بيع هذه الآلات] ، إلا بعد أن يستوفي أصحاب المال مالهم ، فإن بقيت بقية من المال ، أخذ حقه مما تبقى . وإن لم يتبق : فلا شيء له .
وإن كان المال المستنقذ أقل من حقوق الشركاء ، أخذوا منه بقدر حصصهم في رأس المال .
ثالثا:
لا يصح ضمان المال الذي أخذه العامل في الشركة أو المضاربة؛ لأنه غير مضمون على العامل نفسه.
لكن يصح ضمان التعدي أو التفريط فيه، بأن يقول الضامن: إن تعدى العامل أو فرط فإني أضمن لكم رؤوس أموالكم.
وعليه: فإن حصلت خسارة بتعد أو تفريط : ضمن.
قال في "منار السبيل" (2/ 514): " (ولا يصح ضمان غير المضمونة كالوديعة ونحوها) كالعين المؤجرة، ومال الشركة، لأنها غير مضمونة على صاحب اليد، فكذا على ضامنه إلا أن يضمن التعدي فيها، فيصح في ظاهر كلام أحمد، لأنها مع التعدي مضمونة كالغصب" انتهى.
رابعا :
الآلات المذكورة ملك للشركة، فإذا هرب العامل، جاز بيعها، ويوزع ثمنها على أصحاب رؤوس المال بالنسب، ومنهم العامل إن كان قد شارك برأس مال.
وليس لك أن تأخذ من ثمن الآلات رأس مالك كاملا إذا كانت لا تستوعب رؤوس مال أصحابك.
فإذا كان ثمن الآلات مائة مثلا، ورؤوس أموالكم مائتين، فإن النقص يدخل على جميعكم بمقدار النصف، فلك أن تأخذ من ثمنها نصف رأس مالك، ويكون الباقي للشركاء.
وكونك بذلت مجهودا وتحملت المخاطر في أخذ هذه الآلات وبيعها، لا يبيح لك الاستئثار بثمنها دون شركائك؛ لأنها مال مشترك بينكم.
لكن من حقك أن تأخذ أجر ما فعلته ، لاستنقاذ هذه الآلات وبيعها ، من الشركاء ، أو تأخذه من ثمن الآلات التي بيعت .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن استنقذ مال غيره من الهلكة ورده استحق أجرة المثل ولو بغير شرط في أصح القولين، وهو منصوص أحمد وغيره " انتهى من "المستدرك على مجموع الفتاوى" (4/87) .
وينظر للفائدة : "مجموع الفتاوى" (30/414-416) .
و"أجرة المثل" التي تستحقها هنا : هي ما يعتاد الناس في بلدكم إعطاءه لمن يقوم بهذا العمل الذي عملته ، وبذل هذا الجهد لتخليص مال غيره ، سواء كان ذلك من "العمال" أو "المحامين" ، أو نحو ذلك ؛ فتأخذ أجرك بالمعروف في مثل ذلك ؛ من غير وكْس ولا شطط : ( لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ) .
وهنا يتوجب عليكم أن تعينوا رجلين عدلين من المسلمين ، ليقوما بتقويم الآلات، أو يقوم أمامهما من قبل أهل الخبرة ، وتباع بمعرفتهما ، أو بشهادتهما ، فتستوفي أنت أجرتك ، ثم يوزع باقي المال على الشركاء ؛ كل بحسب نصيبه .
والله أعلم.
تعليق