الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

الملائكة الحفظة، وحكمة وجودهم .

السؤال

قرأت شعراً بما معناه، ( يالله عندما تكون أقرب إليّ من حبل الوريد، فلماذا الملائكة على أكتافنا تحصي علينا! هذا التعبير فيما يبدو لي كأنّما يستجوب خطط وأقدار الله. يرجى إعطاء آراء العلماء.

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

الرقيب والعتيد وصفان للملائكة التي وُكِّلت بكتابة كل ما يعمله ابن آدم من خير أو شر ، وهما وصفان صادقان على كل منهما ، فالملك الذي عن اليمين صفته أنه رقيب وعتيد ، والملك الذي عن الشمال صفته أنه رقيب وعتيد .

يقول الله عز وجل :  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  سورة ق/16-18.

ثانيًا:

إن الله تعالى هو الحكم العدل، اللطيف الخبير، وإن من تمام عدل الله سبحانه، أن ينوع الشهود على العباد .

فالله عز وجل هو أعظم الشهود، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ سورة الحج/17.

وجعل الله عز وجل الملائكة شهودًا .

وجعل الله على الإنسان من نفسه شهودًا، إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) . سورة النور /23-25

وقال تعالى : وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24). سورة فصلت/19-24

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟ قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ” مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ ” . رواه مسلم (2969) .

قال الوزير ابن هبيرة رحمه الله :

” في هذا الحديث من الفقه : إظهار الله سبحانه لعباده عدله . ومن عدله : أنه لم يجر على تثبيت الحقوق بين يديه : أن تكون قضية من قضاياه يحكم فيها بالشهود العدول، ثم إن جاحد الجحد ، فلا يظهر الله على رؤوس الأشهاد كذب ذلك الجاحد وافتراه .

فأنطق الله سبحانه جوارح الإنسان بما جحده ، مزكية للشهود.

ولو قد كان مع الشقي توفيق : نطق بفيه، وهو يقدر أن ينطق ، معترفًا لله عز وجل، فكان لا يجمع بين فعل ما لا يجوز له فعله ، وبين أن يجاحد الله عز وجل ذلك، ومن أن يجهل أن الله قادر على أن يظهر كل خفي، فاجتمع لهذا الشفي معصية وكذب وجهل بربه.

والأركان: الأعضاء، وأناضل: بمعنى أدافع واعتذر.

فأما قوله: ( كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا وبالكرام الكاتبين شهودًا ) ؛ فإن فيه أن الله سبحانه أنطق جوارحه لتزكية الشهود ، لا لارتياب بهم ، ولا لتتميم شهادتهم. ” انتهى ، من “الإفصاح عن معاني الصحاح” (5/401) .

والحاصل :
أن الله جل جلاله : حكم قسط ، لا يحكم على عبده بما يعلم منه ، من كفر وإيمان ، بل يحصي على عباده أعمالهم ، ويشهد عليهم ملائكته الكرام ، ويكتب جميع ما عملوا من خير أو شر في صحفهم ، ويعطيهم كتبهم يوم القيامة شاهدة عليهم بذلك ، ويقيم الملائكة الكرام الكاتبين : شهودا على عباده بأعمالهم ، ليعذر من خلقه ، وتتم حجته عليهم ، ولا يبقى لأحد حجة يحتج بها على رب العالمين .

قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) الشورى/16

وانظر للمزيد : (148026)، (147161)، (98673).

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب