الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حفظ القرآن من التحريف، والفرق بينه وبين كتب أهل الكتاب

293746

تاريخ النشر : 22-12-2018

المشاهدات : 20231

السؤال

سألني أحد النصارى عن قول الله تعالى في سورة الحجر ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ، حيث قال هٰذه الآية تدل على أن الله سبحانه تكفل بحفظ ذكر، والذكر كما قال الله تعالى إن التوراة ذكر، كلاهما القرأن والتوراة ذكر ، وتؤكد هٰذه أن الله سبحانه حفظ الذكر وأنه ليس القرآن فقط ، فما هو الرد على هذا الكلام ؟

الجواب

الحمد لله.

أولًا:

لا بد أن تعلم أن لتفسير القرآن شروطًا، ولا يحق لأحد أن يقتطع آية من سياقها، فيفسرها على هواه .

ومن ذلك الآية الكريمة التي معنا، فإن سياقها يقضي بأن المراد بها: القرآن المجيد، فقد قال الله قبلها:   وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ  الحجر/6 ، ومعلوم أن خطابهم لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وليس لموسى أو عيسى ، صلوات الله وسلامه على أنبيائه أجمعين .

ثم قال:   إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  الحجر/9 ، و "ال" في الذكر للعهد، والعهد هنا المراد به: القرآن، بدلالة السياق كما ذكرنا .

وهذا إجماع من العلماء أن المراد بالذكر هنا: القرآن، انظر: " زاد المسير"(2/ 525) .

كما أن في جميع الآيات الأخرى دلالة على ذلك، كما قال سبحانه:  وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ  النحل/44، فذكر المنزَل، وهو: القرآن، والمنزَلِ عليه، وهو: الرسول صلوات الله وسلامه عليه .

ثانيًا:

لا بد لفهم قضية من القضايا أن نجمع الآيات، فإن كتاب الله لا يتعارض بوجه من الوجوه، وهو كتاب العليم الخبير، وقد ذكر الله تعالى أنه قد أوكل حفظ التوراة والإنجيل لعلماء أهل الكتاب ، فضيعوها، وحرفوها ، وبدلوها ؛ بخلاف القرآن، فإن الله قد تولى حفظه، كما في الآية معنا .

قال تعالى:  إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ  المائدة/44  .

عن أبي الحسن بن المنتاب ، قال: " كنت عند إسماعيل يومًا فسئل: لم جاز التبديل على أهل التوراة ، ولم يجز على أهل القرآن ؟

فقال: لأن الله تعالى قال في أهل التوراة : ( بما استحفظوا من كتاب الله ) ؛ فوكل الحفظ إليهم ، وقال في القرآن: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [الحجر: 9] ؛ فتعهد الله بحفظه فلم يجز التبديل على أهل القرآن  " انظر: "التحرير والتنوير"(14/ 21).

وقد أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان هذه المسألة في "الجواب الصحيح"(2/ 368)، إلى (3/ 52)، فانظر لنفاسته .

ومن كلامه، قوله:

" ... وأيضا فالمسلمون يحفظون القرآن في صدورهم حفظا يستغنون به عن المصاحف ، كما ثبت في الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال إن ربي قال لي إني منزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان .

يقول: ولو غسل بالماء من المصاحف ، لم يغسل من القلوب ، كالكتب المتقدمة، فإنه لو عدمت نسخها ، لم يوجد من ينقلها نقلا متواترا محفوظة في الصدور.

والقرآن ما زال محفوظا في الصدور ، نقلا متواترا ، حتى لو أراد مريد أن يغير شيئا من المصاحف، وعرض ذلك على صبيان المسلمين ، لعرفوا أنه قد غير المصحف، لحفظهم للقرآن من غير أن يقابلوه بمصحف، وأنكروا ذلك.

وأهل الكتاب يقدر الإنسان منهم أن يكتب نسخا كثيرا من التوراة والإنجيل، ويغير بعضها، ويعرضها على كثير من علمائهم، ولا يعرفون ما غير منها ، إن لم يعرضوه على النسخ التي عندهم.

ولهذا لما غير من نسخ التوراة : راج ذلك على طوائف منهم ، ولم يعلموا التغيير.

وأيضا فالمسلمون لهم الأسانيد المتصلة بنقل العدول الثقات ، لدقيق الدين ، كما نقل العامة جليله، وليس هذا لأهل الكتاب .

وأيضا : فما ذكروه من أن كتبهم مكتوبة باثنين وسبعين لسانا ، هو أقرب إلى التغيير من الكتاب الواحد باللغة الواحدة ؛ فإن هذا مما يحفظه الخلق الكثير ، فلا يقدر أحد أن يغيره.

وأما الكتب المكتوبة باثنين وسبعين لسانا ، فإذا قدر أن بعض النسخ الموجودة ببعض الألسنة غير بعض ما فيها ، لم يعلم ذلك سائر أهل الألسن الباقية، بل ولم يعلم بذلك سائر أهل النسخ الأخرى ؛ فالتغيير فيها ممكن كما يمكن في نظائر ذلك.

وما ادعوه من تعذر جمع جميع النسخ هو حجة عليهم ، فإن ذلك إذا كان متعذرا ، لم يمكن الجزم باتفاق جميع النسخ لواحد، حتى يشهد بأنها كلها متفقة لفظا ومعنى، بل إمكان التغيير فيها أيسر من إمكان الشهادة باتفاقها.

ولهذا لا يمكن أحدا تغيير القرآن، مع كونه محفوظا في القلوب منقولا بالتواتر، مع أنا لا نشهد لجميع المصاحف بالاتفاق، بل قد يقع في بعض نسخ المصاحف ما هو غلط يعلمه حفاظ القرآن، ولا يحتاجون إلى اعتبار ذلك بمصحف آخر.

وتلك الكتب لا يحفظ كلا منها قوم من أهل التواتر ، حتى تعتبر النسخ بها، ولكن لما كان الأنبياء - عليهم السلام - فيهم موجودين، كانوا هم المرجع للناس فيما يعتمدون عليه ، إذا غير بعض الناس شيئا من الكتب .

فلما انقطعت النبوة فيهم ، أسرع فيهم التغيير ؛ فلهذا بدل كثير من النصارى ، كثيرا من دين المسيح - عليه السلام - بعد رفعه بقليل من الزمان، وصاروا يبدلون شيئا بعد شيء .

وتبقى فيهم طائفة متمسكة بدين الحق ، إلى أن بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم -"  (3/ 13 – 15) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب