الحمد لله.
أولا :
تجب الزكاة في العنب إذا بلغ ما يحصل منه من الزبيب نصابا ، وهو خمسة أوسق ( أي : 300 صاعٍ ) ؛ لما روى البخاري ( 1405) ، ومسلم ( 979) عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ .
فيخرج نصف العشر من العنب ، إذا كان السقي بكلفة ، كما لو كان العنب يُسقى بالمكائن ونحوها .
وأما إن كان السقي بدون كلفة ، كما لو كان بالأمطار : فالواجب العشر كاملا .
قال النووي في " المجموع" ( 5 /440) : " لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الرُّطَبِ ، وَالْعِنَبِ : إلَّا أَنْ يَبْلُغَ يَابِسُهُ نِصَابًا ، وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقً " انتهى .
فإن كان العنب لا يأتي منه زبيب ، وكذلك البلح الذي لا يأتي منه تمر : ففيه الزكاة عند الأئمة الأربعة ، فلا فرق عندهم بين ما يأتي منه زبيب وغيره .
ينظر : "مواهب الجليل" (2/201) ، "المجموع" (5/440) ، "المغني" (4/180) .
وخالف في ذلك بعض العلماء فقالوا بعدم وجوب الزكاة في هذا النوع من العنب والبلح ، وجعلوه كالخضروات والفواكه .
قال المرداوي رحمه الله ، عن وجوب الزكاة في هذا النوع :
"وهو المذهب ، وعليه الأصحاب قاطبة ، والأئمة الأربعة .
قال في "الفروع" : ويتوجه احتمال : يعتبر بنفسه ، لأنه من الخضر، وهو قول محمد بن الحسن، واحتمال فيما لا يُتْمر ولا يصير زبيبا ، وهو رواية عن مالك " انتهى من "الإنصاف" (4/541) .
والقول بوجوب الزكاة هو الراجح ، وقد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ورجحه الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، وسيأتي كلامهما .
ثانيا :
أما إخراج الزكاة ؛ فيخير صاحب البستان بين ثلاثة أشياء :
إما أن يخرج الزكاة زبيبا ، بأن يشتري زبيبا ، أو يكون عنده عنب آخر يأتي منه الزبيب .
وإما أن يخرجها عنبا ، لأن زكاته وجبت في عنب لا يأتي منه زبيب ، فله أن يخرجها من جنس ماله .
وإما أن يخرجها نقودا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "وما لا زيت فيه من الزيتون ، وما لا يزبب من العنب ، ولا يتمر من الثمر : تخرج زكاته من ثمنه ، أو من حبه" .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/22) .
وقال أيضا : " أما العنب الذي لا يصير زبيبًا : فإذا أخرج عنه زبيبًا ، بقدر عشره لو كان يصير زبيبا ؛ جاز ، وهو أفضل ، وأجزأه ذلك بلا ريب ...
وإن أخرج العشر عنبًا ؛ ففيه قولان في مذهب أحمد ؛ أحدهما : وهو المنصوص عنه أنه لا يجزئه . والثاني : يجزئه وهو قول القاضي أبي يعلى ، وهذا قول أكثر العلماء ، وهو أظهر " انتهى من "مجموع الفتاوى" (25/ 56).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله- : " الزكاة تجب في جميع العنب ، سواء منه القابل للتجفيف ، وغيره ، ولا فرق ، إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أحد من أصحابه : أن الزكاة في نوع دون الآخر .
وإنما الخلاف : هل تخرج الزكاة من عين العنب ، أو من ثمنه ؟
ونظراً إلى أن ثمرة مثل هذا العنب ، لا تتحمل كثرة النقل ولا الانتظار ، ولأن مصلحة الفقراء تتحقق في أخذ الزكاة من قيمته ، من غير أن يتضرر أرباب العنب ؛ فلا مانع أن تؤخذ الزكاة من ثمنه . وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ، وذكره قولا للإمام مالك وغيره " .
انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم" (4/39).
والله أعلم.
تعليق