الحمد لله.
أولًا:
لا بد من العلم أن القرآن المجيد لا يتناقض، كما قال سبحانه: ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء/ 82 .
ثانيًا:
أما المسألة الأولى، فجوابها: أن هذه الأولوية إما أن تكون أولوية زمانية ؛ فتكون حينئذ أولوية نسبية ، يعني : بحسب الزمان المعين ، أو قوم معينين ، أو تكون أولوية معنوية ؛ لتفيد تمام اليقين والإيمان ، وعدم حصول الشك .
أما أول المسلمين من البشر على الإطلاق : فهو آدم عليه السلام ؛ لأنه أبوهم .
وانظر في تفصيل هذه القضية الجواب رقم : (184941).
ثانيًا:
أما ترتيب خلق المخلوقات، فقد خلق الله الأرض، ثم السماء، ثم دحى الأرض بعد ذلك، قال ابن كثير: " وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى: خلق السموات والأرض في ستة أيام [الأعراف: 54] ، ففصل هاهنا ما يختص بالأرض، مما اختص بالسماء، فذكر أنه خلق الأرض أولا ، لأنها كالأساس، والأصل أن يُبدأ بالأساس، ثم بعده بالسقف، كما قال: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات الآية [البقرة: 29],
فأما قوله: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم [النازعات: 27-33] ففي هذه الآية : أن دحي الأرض ، كان بعد خلق السماء ، فالدحي هو مفسر بقوله: أخرج منها ماءها ومرعاها ، وكان هذا بعد خلق السماء.
فأما خلق الأرض : فقبل خلق السماء بالنص" انتهى من "تفسير ابن كثير"(7/ 156).
وانظر الأجوبة رقم : (31865)، (145809).
ثالثًا:
أما خلق الإنسان ، فترتيب خلقه أنه تعالى خلق الله تعالى آدم عليه السلام من الأرض ؛ أي مما تحويه، ثم جبلت تربتها بالماء فكانت طيناً، وكان الطين لازباً - أي : لاصقاً ، وقيل : لزجاً ، ثم صار هذا الطين اللازب منتناً ، وحيث كان ذلك الطين مخلوطاً بالرمل : فهذا هو الصلصال .
ولذلك لما وصف الله خلق آدم في القرآن : ذكره في كل مرة بالإشارة إلى أحد أطواره التي مرَّت بها طريقة خلقه ، وتكوينة طينته ؛ فلا تعارض في آيات القرآن ، كما لا يخفى على العاقل المتأمل .
ثم أصبح أبناء آدم بعد ذلك يتكاثرون ، وصار خلقهم من الماء ، وهو المني الذي يخرج من الرجال والنساء ؛ وذلك أمر مشهود معروف .
وانظر الأجوبة رقم : (4811) ، (110417).
رابعا:
وأما قوله تعالى: (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) مريم/66-67 .
ففي الآية خبر من الله تعالى عن الإنسان : أنه يتعجب ، ويستبعد إعادته بعد موته، كما قال تعالى: ( وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) الرعد/ 5 ، وقال: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) يس/77-79 ، وقال هاهنا: ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا * أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا يستدل، تعالى، بالبداءة على الإعادة، يعني أنه، تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا، أفلا يعيده وقد صار شيئا، كما قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )الروم/27.
انظر:" تفسير ابن كثير"(5/ 251).
فالإنسان لم يكن شيئًا قبل خلق الله لآدم عليه السلام، أي: أن الله خلقه من العدم .
والآية المذكورة لا تقول : إنه لم يُخلق من شيء، كما ورد في السؤال ، إنما قالت: أنه لم يكن شيئًا، أي: ليست له صفة في الوجود، فهو عدم، والمعدوم ليس في نفسه شيئًا .
والمعنى: الإنكار على الكافرين أن يقولوا ذلك ، ولا يتذكروا حال النشأة الأولى ؛ فإنها أعجب عند الذين يجرون في مداركهم على أحكام العادة، فإن الإيجاد عن عدم ، من غير سبق مثال : أعجب وأدعى إلى الاستبعاد ، من إعادة موجودات كانت لها أمثلة، ولكنها فسدت هياكلها وتغيرت تراكيبها، وهذا قياس على الشاهد ؛ وإن كان القادر : سواءٌ عليه الأمران.
انظر: "التحرير والتنوير: (16/ 146).
قال ابن تيمية: " والإنسان لما كان يعلم أنه خلق بعد أن لم يكن؛ ذُكِّر بذلك ، ليستدل به على قدرة الخالق على تغيير العادة.
ولهذا ذكر تعالى ذلك في خلق يحيى بن زكريا عليه السلام ، وفي النشأة الثانية، قال تعالى: يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا * قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا [سورة مريم: 7 - 9] ، وقال تعالى : ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا * أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا [سورة مريم: 66 - 67].
فذكر الإنسان بما يعلمه ، من أنه خلقه ولم يك شيئًا؛ ليستدل بذلك على قدرته على مثل ذلك، وعلى ما هو أهون منه" انتهى من "منهاج السنة" (1/ 373).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (170649) .
والله أعلم
تعليق