الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

معنى : ( التغابن )

السؤال

ما هو التغابن في الإسلام ؟

الجواب

الحمد لله.

التغابن من الغبن ، فيقال : غبنه في البيع ، يغبنه غبْنًا.

قال الإمام الفيومي رحمه الله: ” غَبَنَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ غَبْنًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ مِثْلُ غَلَبَهُ فَانْغَبَنَ وَغَبَنَهُ أَيْ نَقَصَهُ وَغُبِنَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَهُوَ مَغْبُونٌ أَيْ مَنْقُوصٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَبِينَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَغَبِنَ رَأْيَهُ غَبَنًا مِنْ بَابِ تَعِبَ قَلَّتْ فِطْنَتُهُ وَذَكَاؤُهُ..” انتهى من “المصباح المنير” (442).

وينظر : “مختار الصحاح “، مادة ( غ ب ن ) (ص: 224)، و”القاموس المحيط” ، فصل الغين ، (1/1219).

وقال الشنقيطي : ” الغبن : الشعور بالنقص ، ومثله الخبن ؛ لاشتراكهما في حرفين من ثلاثة ، كما في فقه اللغة : فبينهما تقارب في المعنى، كتقاربهم في الحرف المختلف ، وهو الغين والخاء ولخفاء الغين في الحلق وظهور الخاء عنها، كان الغبن لما خفي ، والخبن لما ظهر ” انتهى من “أضواء البيان” (8/ 201).

ومن ذلك سمي يوم القيامة: (يوم التغابن)؛ لما يظهر فيه من خسران أهل الكفر والضلال، حيث باعوا آخرتهم، واشتروا بها دنياهم؛ فظهر خسرانهم، وبوار تجارتهم.

قال الراغب الأصفهاني، رحمه الله: ” الغَبْنُ: أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه ، بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال: غَبَنَ فلانٌ، وإن كان في رأي يقال:

غَبِنَ ، وغَبِنْتُ كذا غَبَناً: إذا غفلت عنه، فعددت ذلك غَبَناً.

ويوم التَّغَابُنِ: يوم القيامة ، لظهور الغَبْنِ في المبايعة المشار إليها بقوله: ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ ) [البقرة/ 207] ، وبقوله: ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ..)

الآية [التوبة/ 111]، وبقوله: ( الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا ) [آل عمران/ 77] ، فعلموا أنّهم غُبِنُوا فيما تركوا من المبايعة، وفيما تعاطوه من ذلك جميعا.

وسئل بعضهم عن يوم التَّغَابُنِ؟ فقال: تبدو الأشياء لهم بخلاف مقاديرهم في الدّنيا.

قال بعض المفسرين: أصل الْغُبْنِ: إخفاء الشيء، والْغَبَنُ بالفتح: الموضع الذي يخفى فيه الشيء. وأنشد:

ولم أر مثل الفتيان في غَبَنِ ال … أيام ينسون ما عواقبها “.

“المفردات في غريب القرآن” (602).

وقد أخرج الطبري (23/419) بسندٍ حسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، في قوله :  ذلك يوم التغابن  قال : من أسماء يوم القيامة ، عظمه ، وحذره عباده .

كما أخرج بسندٍ صحيح عن مجاهد ، في قول الله تعالى : ( ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُن ) قال : ” هو غبن أهل الجنة أهل النار “.

وأخرج عن قتادة قوله :  يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ  : هو يوم القيامة ، وهو يوم التغابن : ” يوم غَبن أهلِ الجنة أهلَ النار ” .

وقال ابن جرير في قوله تعالى : ( ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) : ” يوم غَبْن أهل الجنة أهلَ النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ” انتهى.

وقال البغوي : ” يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ، يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجْمَعُ فِيهِ أَهَّلَ السموات وَالْأَرْضِ ، ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ ، وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ الْغَبْنِ وَهُوَ فَوْتُ الْحَظِّ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَغْبُونِ مَنْ غُبِنَ عَنْ أَهْلِهِ وَمَنَازِلِهِ فِي الْجَنَّةِ فَيَظْهَرُ يَوْمَئِذٍ غَبْنُ كُلِّ كَافِرٍ بِتَرْكِهِ الْإِيمَانَ ، وَغَبْنُ كُلِّ مُؤْمِنٍ بِتَقْصِيرِهِ فِي الْإِحْسَانِ ” انتهى من “تفسير البغوي” (5/ 104).

وقال القرطبي : ” وسمي يوم القيامة يوم التغابن ؛ لأنه غبن فيه أهل الجنة أهل النار . أي : أن أهل الجنة أخذوا الجنة ، وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة ، فوقع الغبن لأجل مبادلتهم الخير بالشر ، والجيد بالرديء ، والنعيم بالعذاب ” انتهى من “تفسير القرطبي” (18/ 136).

وقال الشنقيطي : ” وقد بين العلماء حقيقة الغبن في هذا المقام ، بأن كل إنسان له مكان في الجنة ومكان في النار ، فإذا دخل أهل النار النار بقيت أماكنهم في الجنة ، وإذا دخل أهل الجنة الجنة بقيت أماكنهم في النار . وهناك تكون منازل أهل الجنة في النار لأهل النار ، ومنازل أهل النار في الجنة لأهل الجنة يتوارثونها عنهم ، فيكون الغبن الأليم ، وهو استبدال مكان في النار، بمكان في الجنة؛ ورثوا أماكن الآخرين الذين ذهبوا إلى النار ” انتهى من “أضواء البيان” (8/ 201).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : من سور القرآن الكريم سورة التغابن فما معنى ( التغابن ) ؟

فأجاب رحمه الله تعالى : ” التغابن هو الغلبة بالغبن ، وقد ذكر الله عز وجل في هذه السورة أن يوم التغابن حقيقة هو يوم القيامة ، قال الله تعالى ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) ، التغابن الحقيقي هو التغابن في الآخرة حيث يكون فريقٌ في الجنة ، وفريقٌ في السعير ، أما التغابن في الدنيا فليس بشيء بالنسبة للتغابن في الآخرة ، ولهذا قال الله تعالى : ( انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (5/ 2، بترقيم الشاملة آليا).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب