الحمد لله.
أولًا :
"ابن الفارض" هو الشاعر شرف الدين عمر بن علي بن مرشد الحموي ، ثم المصري ، صاحب الاتحاد الذي قد ملأ به التائية .
توفي: سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ، وله ست وخمسون سنة.
له قصيدة قال عنها الإمام الذهبي :
" فإن لم يكن في تلك القصيدة صريح الاتحاد ، الذي لا حيلة في وجوده ، فما في العالم زندقة ولا ضلال !!
اللهم ألهمنا التقوى ، وأعذنا من الهوى .
فيا أئمة الدين ؛ ألا تغضبون لله ؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله "، انتهى من "سير أعلام النبلاء" (22/ 368).
وقال أيضا:
" ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية. وما ثم إلا زي الصوفية ، وإشارات مجملة، وتحت الزى والعبارة : فلسفة ، وأفاعي!!
فقد نصحتك؛ والله الموعد. " انتهى من "ميزان الاعتدال" (3/215).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله، بعد نقل كلام الذهبي:
" وقد كنت سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني، عَنِ ابن العربي؟ فبادر الجواب بأنه كافر , فسألته، عَنِ ابن الفارض فقال: لا أحب أن أتكلم فيه.
قلت: فما الفرق بينهما والموضع واحد؟
وأنشدته من التائية .
فقطع علي بعد إنشاد عدة أبيات ، بقوله: هذا كفر , هذا كفر." انتهى من "لسان الميزان" (6/125).
ثانيًا :
الاتحادية : قوم يزعمون أن الخالق اتحد بالمخلوق ، وعندهم من الضلال والكفر العظيم ما لا يخفى على من عرف مذهبهم ، وحقيقة قولهم تعطيل الصانع بالكلية ، والقول بما تقوله الدهرية الطبيعية ، ويقولون : إن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى ، ليس وجودها غيره ولا شيء سواه ألبتة ، ومن كبارهم ابن عربي ، وابن الفارض ، وابن سبعين ، والعفيف التلمساني .
انظر: "مجموع الفتاوى" (2/ 142)، و"الاستقامة" (1/ 113).
و"وحدة الوجود مذهب فلسفي لا ديني ، يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة ، وأن الله هو الوجود الحق ، ويعتبرونه - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً - صورة هذا العالم المخلوق ، أما مجموع المظاهر المادية ، فهي تعلن عن وجود الله ، دون أن يكون لها وجود قائم بذاته .
وقد تأثر المنادون بهذا الفكر من أمثال : ابن عربي ، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني ، بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة ، وبالعناصر التي أدخلها إخوان الصفا من إغريقية ونصرانية وفارسية الأصل ، ومنها المذهب المانوي ، والمذهب الزرادشتي ، وفلسفة فيلون اليهودي وفلسفة الرواقيين "، " موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة " "الموسوعة العقدية - الدرر السنية" (1/ 372).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في بيان مذهب هؤلاء، وحقيقة مقالاتهم الشركية، الضلالية: "وهو [يعني: ابن سبعين] ، وابن عربي، وأمثالهما كالصدر القونوي، وابن الفارض، والتلمساني: منتهى أمرهم القول بوحدة الوجود، وأن الوجود الواجب القديم الخالق، هو الوجود الممكن المحدث المخلوق، ما ثم لا غير ولا سوى.
لكن لما رأوا تعدد المخلوقات ، صاروا تارة يقولون: مظاهر ومجالي.
فإذا قيل لهم: فإن كانت المظاهر أمرا وجوديا ، تعدد الوجود، وإلا لم يكن لها حينئذ حقيقة. وما هو نحو هذا الكلام، الذي يبين أن الوجود نوعان خالق ومخلوق؟
قالوا: نحن نثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل، ومن أراد أن يكون محققا مثلنا ، فلا بد أن يلتزم الجمع بين النقيضين، وأن الجسم الواحد يكون في وقت واحد في موضعين.
وهؤلاء الأصناف قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع، فإن هؤلاء يكثرون في الدول الجاهلية، وعامتهم تميل إلى التشيع، كما عليه ابن عربي، وابن سبعين وأمثالهما.
فاحتاج الناس إلى كشف حقائق هؤلاء، وبيان أمورهم على الوجه الذي يعرف به الحق من الباطل. فإن هؤلاء يدعون في أنفسهم أنهم أفضل أهل الأرض، وأن الناس لا يفهمون حقيقة إشاراتهم.
فلما يسر الله أني بينت لهم حقائقهم، وكتبت في ذلك من المصنفات ما علموا به أن هذا هو تحقيق قولهم، وتبين لهم بطلانه بالعقل الصريح ، والنقل الصحيح ، والكشف المطابق؛ رجع عن ذلك من علمائهم وفضلائهم من رجع، وأخذ هؤلاء يثبتون للناس تناقضهم، ويردونهم إلى الحق " انتهى من "منهاج السنة النبوية" (8/25-26).
ثالثًا :
اعلم أن " الإسلام يؤمن بأن الله جل شأنه خالق الوجود ، منزَّه عن الاتحاد بمخلوقاته ، أو الحلول فيها . والكون شيء غير خالقه .
ومن ثم ؛ فإن هذا المذهب يخالف الإسلام في إنكار وجود الله ، والخروج على حدوده ، ويخالفه في تأليه المخلوقات ، وجعل الخالق والمخلوق شيئاً واحداً ، ويخالفه في إلغاء المسؤولية الفردية ، والتكاليف الشرعية ، والانسياق وراء الشهوات البهيمية ، ويخالفه في إنكار الجزاء المسؤولية والبعث والحساب .
ويرى بعض الدعاة : أن وحدة الوجود عنوان آخر للإلحاد في وجود الله ، وتعبير ملتوٍ للقول بوجود المادة فقط ، وأن هذا المذهب تكئة لكل إباحي يلتمس السبيل إلى نيل شهواته تحت شعار من العقائد، أو ملحد يريد أن يهدم الإسلام بتصيد الشهوات ، أو معطل يحاول التخلص من تكاليف الكتاب والسنة .
وهذا المذهب الفلسفي هو مذهب لا ديني ، جوهره نفي الذات الإلهية ، حيث يوحِّد في الطبيعة بين الله تعالى وبين الطبيعة ، على نحو ما ذهب إليه الهندوس ، أخذاً من فكرة يونانية قديمة ، وانتقل إلى بعض غلاة المتصوفة .
وكل هذا مخالف لعقيدة التوحيد في الإسلام ، فالله سبحانه وتعالى منزه عن الاتحاد بمخلوقاته أو الحلول فيها "، انتهى "الموسوعة العقدية - الدرر السنية" (1/ 377 - 378).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (147639) .
والله أعلم.
تعليق