السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

إضمار القول في القرآن

315720

تاريخ النشر : 24-09-2019

المشاهدات : 7897

السؤال

قبل سنة قررت أن أقرأ القرآن قراءة فهم وتدبر ، لا قراءة تلاوة فقط ، مثلما كنت أفعل ، فسجلت الآيات التي أشكلت علي ، وبحثت عن تفاسيرها حتى فهمت ، ولكن عندي القليل من المشاكل التي صادفتني ، وأريد أن أطرح واحدة منها : (الإضمار) : وهناك مواضع عدّد فيها الطبري الكثير من الآيات التي فيها إضمار ، وفهمت أنها من أساليب العرب ، ولكن ما لم أفهمه هو إضمار كلمة (قل) عند مخاطبة الله تعالى لسيدنا محمد . مثل : قوله تعالى : ( قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ) الأنعام /104 . فمن الواضح أن الخطاب انتقل مباشرةً من الله للناس ، أو أن يكون الخطاب من أوله من رسول الله لإضمار كل قل يا محمد . وقوله تعالى :( أَفَغيْرَ اللَّهِ أَبْتغِي حَكمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا ۚ وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ ۖ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ )الأنعام/114 . وقال تعالى:( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) الأعراف /196. وقال تعالى:(إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) النمل/91 . والآية 50 ، 51 من سورة الذاريات ، فقليلو العلم والجهلة ربما يستغلون مثل هذه الآيات ليقدحوا بكتاب ربي ، فما هو توضيح ما ذكرت .

الجواب

الحمد لله.

أولًا :

ما أجمل أن يتأمل المسلم كلام ربه تعالى ، فإن أشكل عليه أمر رده إلى العالم به ، فإن في ذلك خيرا كبيرا ، وفائدة عظيمة .

والقرآن بحمد لله لا يتطرق إليه الاختلاف بحال ، كما قال سبحانه :  أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا  النساء/82 .

ثانيًا :

من عادات القرآن الأسلوبية ، وطريقته المعهودة الجارية على سنن العرب في الكلام  حذف ما دل عليه الظاهر ، لأنه يصير حينئذٍ حشوًا لا حاجة إليه ، إلا إن كان لإظهاره فائدة أخرى من الفوائد البلاغة .

يقول الطبري : " العرب ، من شأنها إذا عرفت مكان الكلمة ، ولم تشك أن سامعها يعرف بما أظهرت من منطقها ، ما حذفت : حَذْفُ ما كفى منه الظاهر من منطقها ، ولا سيما إن كانت تلك الكلمة التي حذفت قولا ، أو تأويل قول "، انتهى من "جامع البيان" (1/ 137).

قال أبو عبيدة في "مجاز القرآن" (1/ 111): "العرب تختصر الكلام ليخففوه ؛ لعلم المستمع بتمامه" انتهى .

وانظر للاستزادة : "الأساليب العربية الواردة في القرآن" (517 - 526)، "عادات القرآن الأسلوبية" (1/ 219).

قال "السمين الحلبي" في "الدر المصون" (1/ 370) : "وإضمارُ القولِ : كثيرٌ في لسانِهم "، انتهى .

والمفسرون ينبهون على ذلك ، ومنه قول "الواحدي" : "ومن كَسَرَ، أضمر القولَ؛ كأنه: (ناداه، فقال: إنَّ الله) فحذف القولَ.

وإضمار القول كثير في هذا النحو، كما قال: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد:23 - 24]، وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا [الأنعام: 93]، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ [آل عمران: 106]، فأضمر القول في ذلك كلِّه "، انتهى من "التفسير البسيط" (5/ 221).

وقال : "وإضمار القول كثير كقوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا [البقرة: 127] أي: يقولان: ربنا، وقوله تعالي: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ [الزمر: 3] معناه: يقولون ما نعبدهم "، انتهى من "التفسير البسيط"  (8/ 246).

وقول "أبي حيان" : " ... والخبر هنا محذوف للعلم به. والتقدير: فيقال لهم: أكفرتم؟

كما حذف القول في مواضع كثيرة ، كقوله: ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) الرعد ، أي يقولون: سلام عليكم " انتهى من "البحر المحيط" (3/ 293).

 والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب