الحمد لله.
ينبغي تنزيه كلِّ اسمٍ معظَّمٍ ومحترمٍ بالشرع عن الامتهان، كأن يُلقى في مزبلة أو صندوق قمامة ونحو ذلك.
واسم ( مكة ) من الأسماء التي ينبغي أن تعظم وتنزه عن الإهانة أو الإلقاء في القمامات .
وذلك لأنها كانت مهبط الوحي، وفيها نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل.
وقد ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم ، فقال : ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) الفتح/24.
وقد أقسم الله تعالى بها، فقال : ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ) البلد/ 1 ، و( لا ) في الآية زائدة للتوكيد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ…) أخرجه البخاري (104)، ومسلم (1354).
وهي أحب البلاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمه على الله تعالى ، فقد جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : ” لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ ، قَالَ : ( أَمَا وَاللَّهِ ، لَأَخْرُجُ مِنْكِ ، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلَادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ…) أخرجه أحمد في “المسند” (18717)، والأزرقي في “أخبار مكة” (2/155)، والحارث بن أبي أسامة في “مسنده” (387)، وأبو يعلى في “مسنده” (2662)، وصححه ابن عبد البر في “التمهيد” (2/ 288)، والقسطلاني في “المواهب اللدنية” (1/ 171).
ولذلك يكره إهانة اسمها أو إلقاء الأوراق التي كتب فيها اسمها في القمامات والمزابل ونحوها ، ولا يبلغ ذلك درجة التحريم إلا على من تعمد إهانتها.
وينبغي على من كان يستعمل الأوراق والأكياس أن ينظر فيها قبل أن يستعملها وقبل أن يلقيها في القمامة.
قال ابن الحاج المالكي رحمه الله تعالى : ” الْغَالِبَ عَلَى بَعْضِ الصُّنَّاعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ الْوَرَقَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا مَا فِيهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ ، أَوْ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ أَوْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ .
وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ ، وَلَا امْتِهَانُهُ ؛ حُرْمَةً لَهُ وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ فِيهِ أَسْمَاءُ الْعُلَمَاءِ أَوْ السَّلَفِ الصَّالِح – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – أَوْ الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ ، وَلَا يُبْلَغُ بِهِ دَرَجَةُ التَّحْرِيمِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ” انتهى من ” المدخل ” (4/89).
ولكن من نسي أن في الأوراق أو الأكياس اسمًا ينبغي تعظيمه، أو لم ينتبه لذلك، أو غلَّب جانب السلامة فلم يفتش فيها، وألقاها في القمامة ؛ فلا شيء عليه.
وينظر لمزيد من الفائدة جواب السؤال رقم : (158570)، ورقم: (218493)، ورقم: (387611).
والله أعلم.
تعليق