الحمد لله.
الله تعالى سميع بصير، وسع سمعه الأصوات، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ .
فمن أسمائه السميع البصير، ومن صفاته: السمع، والبصر، نؤمن بذلك ونوقن، ولكنا لا نعلم كيفية سمعه وبصره، كما لا نعلم كيفية ذاته وكيفية سائر صفاته، أي لا نعلم كيف يسمع الله الأصوات في نفس اللحظات على اختلاف اللهجات، ولا نعلم كيف يبصر الله العالم العلوي والسفلي وسائر المخلوقات في لحظة.
ولا نعلم أيضا كيفية صفة العين، واليد ، والوجه ، ونحو ذلك؛ فلا نعلم لها هيأةً نصفها، كما تعلم هيئات وأشكال صفات المخلوقين، ولا نعلم لها شبها ولا مثلا، فنقيسها عليه، أو نشبهها به، تعالى الله عن ذلك كله : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى/11؛ ومن هنا أطلق بعض السلف "التكييف" على "التشبيه" .
قال الإمام إسحاق بن راهويه، رحمه الله: " إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ: يَدٌ كَيَدٍ، أَوْ مِثْلُ يَدٍ، أَوْ سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَإِذَا قَالَ: سَمْعٌ كَسَمْعٍ، أَوْ مِثْلُ سَمْعٍ، فَهَذَا التَّشْبِيهُ، وَأَمَّا إِذَا قَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَدٌ، وَسَمْعٌ، وَبَصَرٌ، وَلَا يَقُولُ كَيْفَ، وَلَا يَقُولُ مِثْلُ سَمْعٍ، وَلَا كَسَمْعٍ، فَهَذَا لَا يَكُونُ تَشْبِيهًا، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11] " . انتهى، نقله عنه الإمام الترمذي في "سننه" (3/41) ط شاكر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ولهذا قال بعضهم: إذا قال لك السائل: كيف ينزل، أو كيف استوى، أو كيف يعلم، أو كيف يتكلم ويقدر ويخلق؟ فقل له: كيف هو في نفسه؟ فإذا قال: أنا لا أعلم كيفية ذاته؛ فقل له: وأنا لا أعلم كيفية صفاته، فإن العلم بكيفية الصفة يتبع العلم بكيفية الموصوف" انتهى من "شرح حديث النزول"، ص11 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " لم يخبرنا الله سبحانه أو رسوله عن كيفية هذه الصفات، فيتعذر إذاً أن نعلم كيفيتها، لأن وسائل العلم انتفت، وإذا انتفت الوسيلة انتفت الغاية.
وحينئذٍ نقول: لا يمكن أن نكيف صفات الله، ولا يجوز أن نسأل عن الكيفية، ومن سأل عن الكيفية نهيناه؛ لأن السؤال عن الكيفية هلكة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون). والسؤال عن الكيفية من التنطع؛ لأنه لو كان لك فائدة في علم الكيفية لبينها الله ورسوله، بل نقول: إن الوصول إلى حقيقة كيفية صفات الله أمرٌ مستحيل؛ لأن الإنسان أقل من أن يحيط بكيفية صفات الله" انتهى من "شرح العقيدة السفارينية"، ص289 .
وأما هل يرانا الله على صورنا، وهل يسمع أصواتنا كما هي بيننا، فإنا لا نخوض في ذلك، ولا نقفو ما ليس لنا به علم، لكن كلام أهل العلم على نفي العلم بالكيفية يريدون به المعنى الأول، أي كيفية اتصافه بالصفة ، أو حقيقة الصفة وكنهها.
وبالجملة فالغيب الذي لم يخبرنا الله عن حقيقته وكنهه، ليس لنا أن نتكلم فيه بشيء؛ لا سيما ما تعلق منه بذاته، وأسمائه وصفاته، سبحانه.
قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً الاسراء/36 .
وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ الأعراف/33.
والله أعلم.
تعليق