الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم اتباع من يقول بكراهة حلق اللحية مع العلم بمخالفته لقول الجمهور

329615

تاريخ النشر : 16-09-2020

المشاهدات : 8364

السؤال

هل يكون المسلم آثما إذا اتّبع رأيا هو مكروه عند بعض العلماء ومحرّم عند الجمهور؟ على سبيل المثال، وفقًا لأراء بعض العلماء الكبار مثل الشافعي، حلق اللحية مكروه. فهل يكون بعض المسلمين آثمين إذا اتّبعوا هذا الرأي، وكانوا مقتنعين أنه هو الرأي الصحيح؟ بشكل عام ، المكروه يعني أنه لا يحبّذ ، لذلك إذا بقي المسلم مستمرّا مصرا على فعل شيء مكروه ، فما هو المنظور الإسلامي، هل سيكونون آثمين بمرور الوقت ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا:

من لم يكن أهلا للاجتهاد والنظر، فقلد عالما يثق بدينه وعلمه : فلا حرج عليه؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  النحل/43 .

ثانيا:

إذا وقف العامي على اختلاف المفتين أو الفقهاء-وكلهم أهلٌ للفتوى - فهل له أن يتخير من أقوالهم أم يلزمه نوع ترجيح؟ في ذلك خلاف.

جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/47-49):

"- إن وجد المستفتي أكثر من عالم ، وكلّهم عدل وأهل للفتيا :

فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المستفتي بالخيار بينهم ، يسأل منهم من يشاء ويعمل بقوله ، ولا يجب عليه أن يجتهد في أعيانهم ليعلم أفضلهم علماً فيسأله، بل له أن يسأل الأفضل إن شاء ، وإن شاء سأل المفضول مع وجود الفاضل، واحتجّوا لذلك بعموم قول اللّه تعالى :

فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ، وبأنّ الأوّلين كانوا يسألون الصّحابة مع وجود أفاضلهم وأكابرهم وتمكّنهم من سؤالهم .

- إن سأل المستفتي أكثر من مفت فاتّفقت أجوبتهم، فعليه العمل بذلك إن اطمأنّ إلى فتواهم.

وإن اختلفوا ، فللفقهاء في ذلك طريقان :

فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة وبعض الحنابلة وابن سريج والسّمعانيّ والغزاليّ من الشّافعيّة - إلى أنّ العامّيّ ليس مخيّراً بين أقوالهم يأخذ بما شاء ويترك ما شاء ، بل عليه العمل بنوع من التّرجيح .

والأصحّ والأظهر عند الشّافعيّة وبعض الحنابلة : أنّ تخيّر العامّيّ بين الأقوال المختلفة للمفتين جائز، لأنّ فرض العامّيّ التّقليد ، وهو حاصل بتقليده لأيّ المفتيين شاء " انتهى باختصار.

فعلى القول بالتخيير فلك أن تأخذ بقول الشافعية في أن حلقها مكروه وليس محرما.

وكذا على القول الآخر، لو كنت مقتنعا بهذا المذهب، بالنظر في أدلتهم، أو لكون القائل به أوثق عندك.

ثالثا:

يجب الحذر من تتبع الرخص، وذلك بأن يكون ديدن العامي البحث عن القول الأيسر والأخذ به.

قال السبكي رحمه الله: " يجوز التقليد للجاهل ، والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات، عند مسيس الحاجة، من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال الاختلاف رحمة إذ الرخص رحمة" انتهى من "الإبهاج في شرح المنهاج" (3/ 19).

رابعا:

ينبغي أن يُعلم أن الإصرار على فعل المكروه يأثم به فاعله ، عند جماعة من أهل العلم.

قال ابن الحاج رحمه الله تعالى: " وأما المكروه فقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم: إن المداومة على المكروه يفسق فاعله. " انتهى من "المدخل" (3 / 211).

وقال الشاطبي رحمه الله تعالى: " فإن الإثم في المحرمة هو الظاهر، وأما المكروهة؛ فلا إثم فيها في الجملة؛ ما لم يقترن بها ما يوجبها، كالإصرار عليها، إذ الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة، فكذلك الإصرار على المكروه، فقد يصيره صغيرة... " انتهى من "الاعتصام" (1 / 296).

وقال أيضا :"إذا كان الفعل مكروها بالجزء، كان ممنوعا بالكل ، كاللعب بالشطرنج والنرد بغير مقامرة وسماع الغناء المكروه، فإن مثل هذه الأشياء، إذا وقعت على غير مداومة: لم تقدح في العدالة، فإن داوم عليها، قدحت في عدالته ، وذلك دليل على المنع بناء على أصل الغزالي .

قال محمد بن عبد الحكم في اللعب بالنرد والشطرنج : إن كان يكثر منه حتى يشغله عن الجماعة؛ لم تقبل شهادته.

وكذلك اللعب الذى يخرج به عن هيئة أهل المروءة، والحلول بمواطن التهم لغير عذر، وما أشبه ذلك" انتهى من "الموافقات" (1/133) .

وينظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم :(304237).

والنصيحة لك ولعموم المسلمين: إعفاء اللحية، فذلك سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، الثابتة من فعله وأمره، سواء قيل إن حلقها مكروه أو محرم، ثم إن المسلم في بلاد الغرب ينبغي له أن يتمسك بهذا الهدي النبوي، لئلا يذوب في المجتمع ويسهل عليه ارتكاب المخالفات؛ فإن الهدي المستقيم يحجز الإنسان عن كثير من المحرمات .

وينظر: جواب السؤال رقم : (219947).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب