الحمد لله.
أولا: الرحمة المضافة لله تعالى نوعان
الرحمة المضافة لله تعالى نوعان:
الأول: الصفة القائمة به تعالى، وهذه ليست مخلوقة، ولا حد لها، فهو الرحمن الرحيم ، وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ الكهف/58.
الثاني: رحمة مخلوقة، وهذه مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة في الدنيا، وادخر تسعة وتسعة رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة.
روى البخاري (6469) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ .
ورواه مسلم (2725) بلفظ: إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ، فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/ 400): " قال صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة (1) الحديث. ما المراد بالرحمة التي خلقها الله؟ هل هي الصفة- تعالى الله عن ذلك- أم رحمة مخلوقة خصت بها الأمة، وصفة الله غيرها؟
ج 2: الرحمة المذكورة في الحديث رحمة مخلوقة، خلق الله مائة رحمة ، أنزل منها واحدة يتراحم الخلق بينهم بها، وأبقى عنده تسعا وتسعين رحمة ليوم القيامة.
وهذه الرحمة : غير صفة الرحمة لله جل وعلا، فإن صفات الله غير مخلوقة، فهي من صفات ذاته سبحانه، وهو سبحانه بصفاته خالق غير مخلوق" انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " أنزل رحمة من رحمتك : الرحمة نوعان:
- رحمة هي صفة الله؛ فهذه غير مخلوقة وغير بائنة من الله عز وجل، مثل قوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف: 58] ، ولا يطلب نزولها.
- ورحمة مخلوقة، لكنها أثر من آثار رحمة الله؛ فأطلق عليها الرحمة؛ مثل قوله تعالى في الحديث القدسي عن الجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (8/ 430).
ثانيا: الكفار تنالهم الرحمة في الدنيا
الكفار تنالهم الرحمة في الدنيا، ولهذا يعطيهم الله الصحة والمال والولد، ويرسل إليهم الرسل وينزل إليهم الكتب، وأما في الآخرة فإن الله يعاملهم بعدله، فيخلدون في نار جهنم.
والكافر لما عاند وتمرد على ربه وخالقه، لم يكن أهلا للرحمة.
قال ابن الجوزي رحمه الله : "من عموم رحمته إرسال الرسل ، وإمهال المذنبين ، فإذا جحده الكافر : خرج إلى مقام العناد ، فلم يكن أهلا للرحمة " انتهى من "كشف المشكل" (1/ 94) .
ولو أن الكافر مع كفره وعناده دخل الجنة كالمؤمن، لكان هذا منافيا للعدل، ولهذا قال الله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ الجاثية/ 21 ، وقال سبحانه : أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ سورة ص/ 28 ، وقال سبحانه : أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ القلم: 35، 36 .
فالله سبحانه رحيم عدل، فرحمته لا تنافي تعذيب من يستحق العذاب، لأن ذلك مقتضى عدله، وحكمته أيضا.
وينظر: جواب السؤال رقم : (211871).
والله أعلم.
تعليق