الحمد لله.
أولًا :
قال الله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة/259.
وخلاصة هذه القصة : أن هذا الرجل "وقف متفكرا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة وقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، وذلك لما رأى من دثورها، وشدة خرابها، وبعدها عن العود إلى ما كانت عليه، قال الله تعالى: فأماته الله مائة عام ثم بعثه، قال: وعمرت البلدة بعد مضي سبعين سنة من موته، وتكامل ساكنوها، وتراجعت بنو إسرائيل إليها. فلما بعثه الله عز وجل بعد موته، كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه، لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيي بدنه؟ فلما استقل سويا قال الله له -أي بواسطة الملك-: كم لبثت. قال لبثت يوما أو بعض يوم قالوا: وذلك أنه مات أول النهار، ثم بعثه الله في آخر نهار، فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم، فقال: أو بعض يوم. قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه؛ وذلك: أنه كان معه - فيما ذُكر- عنب وتين وعصير، فوجده كما فقده، لم يتغير منه شيء، لا العصير استحال ولا التين حمض ولا أنتن ولا العنب تعفن. وانظر إلى حمارك أي: كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر، ولنجعلك آية للناس أي: دليلا على المعاد وانظر إلى العظام كيف ننشزها أي: نرفعها فتركب بعضها على بعض".
"تفسير ابن كثير"(1/688).
ثانيًا :
وفي بقاء الطعام دليل على قدرة الله ، لأن الطعام يسرع إليه الفساد .
قال "السعدي" لم يتغير، بل بقي على حاله على تطاول السنين، واختلاف الأوقات عليه، ففيه أكبر دليل على قدرته، حيث أبقاه وحفظه عن التغير والفساد، مع أن الطعام والشراب من أسرع الأشياء فسادًا "، انتهى من"تفسير السعد "(ص112).
قال الطاهر ابن عاشور" : " وقد جمع الله له أنواع الإحياء، إذ أحيى جسده بنفخ الروح- عن غير إعادة- وأحيى طعامه بحفظه من التغير، وأحيى حماره بالإعادة؛ فكان آية عظيمة للناس الموقنين بذلك، ولعل الله أطلع على ذلك الأحياء بعض الأحياء من أصفيائه".
انتهى من"التحرير والتنوير"(3/37).
وأما الحكمة في بقاء الطعام والشراب كما هو لم يتغير، مع ما جرى عليه وعلى حماره ؛ فإن القصة لم تجر وفق الأسباب المعتادة في الناس، إذا فسد شيء فسد نظيره، وإذا مات هو أو مات حماره، لم يمكن بقاء طعامه؛ فهذا كله من التحكم بالأسباب العادية الطبيعية، والقصة بكاملها معجزة من الله ، للدلالة على عظيم قدرته، وأن ذلك ليس فعلا بالطبع، ولا اللزوم، بل هو بإرادة قادر مختار حكيم: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ القصص/68-70 ، وقال تعالى : إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ هود/107.
والحاصل:
أن القصة معجزة، لا يقال: لماذا خالف بين هذا وذاك، فأمات الرجل وحماره، وأبقى الطعام، فكل ذلك من تمام الدليل على قدرته، وأن يشهد هذا العبد الصالح دلائل القدرة، في الإحياء والإماتة، ماثلا أمام عينيه.
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم:(281283)، (225414).
والله أعلم.
تعليق