الحمد لله.
أولا:
السنة العامة في القرآن أن الله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيب على أسئلة وأقوال عباده فيخاطبه سبحانه وتعالى بكلمة: (قُلْ).
لكن قد ورد الجواب بدون كلمة (قُلْ)، بحسب مقتضى السياق، كما في قول الله تعالى:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ، فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ، إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ، إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا النازعات/42 - 46.
وقد أجاب عنه بـلفظ (قُلْ)، في آية أخرى، وهي قوله تعالى:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ الأعراف/187.
ثانيا:
خلو الجواب من كلمة (قُلْ) في قول الله تعالى:( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة/186.
قال أبو حيان رحمه الله تعالى:
" والفاء في قوله: ( فَإِنِّي قَرِيبٌ )، جواب إذا، وثَم قول محذوف تقديره: "فقل لهم إني قريب "، لأنه لا يترتب على الشرط القرب، إنما يترتب الإخبار عن القرب " انتهى من "البحر المحيط" (2 / 205).
وقد وردت كلمة (قُلْ) قبل الضمير العائد على لفظ الجلالة، كما في قول الله تعالى:
( قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53.
وهذا الحذف لا بد أن له حكمة.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:
" وإنما قال تعالى: ( فَإِنِّي قَرِيبٌ )، ولم يقل: فقل لهم إني قريب؛ إيجازا، لظهوره من قوله: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي )...
وفيه لطيفة قرآنية وهي إيهام أن الله تعالى تولّى جوابهم عن سؤالهم بنفسه، إذ حذف في اللفظ ما يدل على وساطة النبي صلى الله عليه وسلم، تنبيها على شدة قرب العبد من ربه في مقام الدعاء " انتهى من"التحرير والتنوير" (2 / 179).
وأما القول بأن حكمة الحذف مراعاة للضمير في كلمة (فَإِنِّي)، حتى لا يلتبس المعنى؛ فيقال فيه:
إن هذا الالتباس إنما يحصل على من كان جاهلا بالعربية وأساليبها جهلا مطبقا، بحيث لا يفرق بين أوليات الكلام، وأركانه التي يقوم عليها؛ وهذا إنما يقع من العوام والجهال، فينبههم العالم على وجه الكلام، وتفسيره الصحيح.
وعلى أية حال، ففي الآية تنبيه على قرب الله تعالى من السائل والداعي، كما مر في كلام ابن عاشور، رحمه الله، ونفي الواسطة بين الله تعالى وعباده، وأن على العبد أن يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء من غير اتخاذ وسائط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأحكام أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجابتهم كما قال تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )، ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )، ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ )، إلى غير ذلك من مسائلهم.
فلما سألوه عنه سبحانه وتعالى قال: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )، فلم يقل سبحانه " فقل " بل قال تعالى: ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ ).
فهو قريب من عباده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لما كانوا يرفعون أصواتهم بالذكر والدعاء فقال: ( أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريبا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ). " انتهى من "مجموع الفتاوى"(1/366).
والله أعلم.
تعليق