الحمد لله.
قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ العنكبوت/14.
قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:
" وزادت هذه الآية أنه لبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة.
وظاهر الآية: أن هذه مدة رسالته إلى قومه، ولا غرض في معرفة عمره يوم بعثه الله إلى قومه، وفي ذلك اختلاف بين المفسرين.
وفائدة ذكر هذه المدة: الدلالة على شدة مصابرته على أذى قومه، ودوامه على إبلاغ الدعوة؛ تثبيتا للنبي صلى الله عليه وسلم" انتهى من "التحرير والتنوير" (20/222).
من شأن المؤمن أن يقف من أخبار القرآن موقف التصديق، لأنها من الله العليم بخلقه وهو الخالق لهم، وهو الحق الذي لا تكون أخباره سبحانه وتعالى إلا صدقا.
قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ النمل/6.
وقال الله تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك/14.
وقال الله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الأنعام /115.
وقولك: "مع العلم، فالمكتشفات لا تدل على أن الانسان وصل إلى هذا العمر".
فهذا كلام غير صحيح .
أولا: لأن عدم عثور الباحثين على جثث بشر تشير إلى أنها عاشت مثل هذا الزمن، لا يعني أنها لم توجد؛ فالقاعدة المقررة: أن عدم العلم، ليس دليلا على العدم.
ثانيا: لم نقف على بحوث تدعي القطع بعدم وجود أقوام ماضين عاشوا مثل هذا العمر، ولو فرض ووجدت، فمن المعلوم أن الإنسان لم يحط علما بجميع من مضى، ولا أحاط علما بجميع الآثار التي في بطن الأرض، فمن أين للباحث المنصف أن يخرج بنتيجة قاطعة في أمر لم يحط به علما.
ثالثا: أن الاستنتاجات التي يقوم بها علماء الآثار من المكتشفات الأثرية هي محاولات تفسيرية، وليست حقائق علمية مطلقة، فهناك مجال واسع لتسلل أفكار الباحثين وعواطفهم إلى هذه النتائج، ونحن نعلم أن شطرا منهم يؤمنون بنظرية التطور، وعدم وجود خالق عليم حكيم، ويعادون كل من يعارضهم في هذا؛ فهم يحتفلون بأي شبهة يستطيعون أن يستخرجوها من هذه الآثار، فلهذا لا يليق بالمسلم أن يكون إمعة لكل ما يحارب به الدين ويلبس لباس البحث العلمي.
والله أعلم.
تعليق