الحمد لله.
أولًا:
معنى الفرح
الفرح خلاف الحزن، يقول ابن فارس: "الْفَاءُ وَالرَّاءُ وَالْحَاءُ أَصْلَانِ، يَدُلُّ أَحَدَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْحُزْنِ، وَالْآخَرُ الْإِثْقَالُ.
فَالْأَوَّلُ الْفَرَحُ، يُقَالُ فَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا، فَهُوَ فَرِحٌ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى: ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ [غافر: 75] . وَالْمِفْرَاحُ: نَقِيضُ الْمِحْزَانِ". انتهى من"مقاييس اللغة" (4/ 499 - 500).
وقال "الراغب": "الْفَرَحُ: انشراح الصّدر بلذّة عاجلة، وأكثر ما يكون ذلك في اللّذات البدنيّة الدّنيوية، فلهذا قال تعالى: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [الحديد/ 23]، (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا)[الرعد/ 26]، (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ)[غافر/ 75] ... ولم يرخّص في الفرح إلا في قوله: (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس/ 58]، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ)[الروم/ 4]".
انتهى من"المفردات في غريب القرآن" (628).
وانظر مادة (فرح) في "المعجم الاشتقاقي المؤصل": (3/1653).
ثانيًا:
معنى السعادة
السعادة خلاف الشقاوة، يقول "الجوهري": "والسَعادَةُ: خلاف الشَقاوَةِ. تقول منه: سَعِدَ الرجل بالكسر، فهو سعيد، مثل سلم فهو سليم. وسعد بالضم فهو مسعود.
.. وأسعده الله فهو مَسْعودٌ".
"الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية" (2/487).
وقال ابن فارس: "(سَعَدَ) السِّينُ وَالْعَيْنُ وَالدَّالُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى خَيْرٍ وَسُرُورٍ، خِلَافَ النَّحْسِ. فَالسَّعْدُ: الْيُمْنُ فِي الْأَمْرِ".
"مقاييس اللغة" (3/75).
ثالثًا:
ورود الفرح في القرآن الكريم
ورد "الفرح" في القرآن الكريم محمودًا، وورد مذمومًا، وسبق النقل عن "الراغب"، أن الفرح لم يأت محمودًا إلا في الفرح بالقرآن، ونصر الله للروم على الفرس.
وأما السعادة فلم تأت في القرآن إلا في سورة هود، قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) هود/105-108.
قال "الطاهر" : "وَالشَّقِيُّ: فَعِيلٌ؛ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ شَقِيَ، إِذَا تَلَبَّسَ بِالشَّقَاءِ وَالشَّقَاوَةِ، أَيْ سُوءِ الْحَالَةِ وَشَرِّهَا، وَمَا يُنَافِرُ طَبْعَ الْمُتَّصِفِ بِهَا.
وَالسَّعِيدُ: ضِدَّ الشَّقِيِّ، وَهُوَ الْمُتَلَبِّسُ بِالسَّعَادَةِ الَّتِي هِيَ الْأَحْوَالُ الْحَسَنَةُ الْخَيِّرَةُ الْمُلَائِمَةُ لِلْمُتَّصِفِ بِهَا. وَالْمَعْنَى: فَمِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ مَنْ هُوَ فِي عَذَابٍ وَشِدَّةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي نِعْمَةٍ وَرَخَاءٍ".
انتهى من "التحرير والتنوير" (12/164).
رابعًا:
لفظ السعادة في النصوص الشرعية
أما الحديث الذي رواه البخاري (3333)، ومسلم(2646)، واللفظ للبخاري: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ يَا رَبِّ أُنْثَى يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الْأَجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ .
فالمقصود به كما يقول "الوزير ابن هبيرة" : «فأما السعادة والشقاوة، فإن من سبقت له السعادة فإن الله سيوفقه لعمل أهل السعادة إلا أنه لا يؤمن عليه، فإن عمله لا يؤمن عليه آفات عمله إلى وقت موته، أن ينقلب حاله فيختم له بعمل الأشقياء، ويكون قد كان سبق في علم الله تعالى الذي أظهره إلى الملك أن هذا يعمل أولًا بعمل أهل الخير، ثم يختم له بعمل أهل الشر حتى لا يركن أحد إلى عمل فيكون هذا ممن كتب شقيًّا إلا أنه نادر في الأشقياء.
ويكون السعيد قد يسر لعمل أهل السعادة، إلا أنه قد يعمل الواحد منهم بعمل أهل الشقاء فأدركته الرحمة فلم يقنط من رحمة ربه وتاب إلى الله عز وجل عند آخر نفس فتختم له بالسعادة، وهذا مما يكون سابقا في العلم أنه يجري لذلك، إلا أن هذا يكون نادرا في السعداء أيضًا"، انتهى من"الإفصاح عن معاني الصحاح" (5/ 53-54).
وظاهر أن المراد بالسعادة هنا دخول الجنة، والنجاة من النار.
والحاصل: أن السعادة في القرآن الكريم لم تأت إلا في سياق الثناء على أهل الإيمان، وأنهم السعداء عند الله تعالى.
بخلاف الفرح؛ فإنه ورد في القرآن ممدوحًا ومذمومًا.
فأمَّا الفرح المحمود، فهو فرح المؤمن بهداية ربه له، وتوفيقه لما يحبه ويرضاه من الإيمان والعمل الصالح؛ فهو " فرحٌ بفضل الله، حيث وفَّقه لها وأعانه عليها ويسَّرها له. ففي الحقيقة إنّما يفرح بفضل الله ورحمته.
ومن أعظم مقامات الإيمان: الفرحُ بالله والسُّرور به، فيفرح به إذ هو عبده ومحبُّه، ويفرح به سبحانه ربًّا وإلهًا ومُنعِمًا ومربِّيًا، أشدَّ من فرح العبد بسيِّده المخلوق المشفق عليه، القادر على ما يريده العبد، المتبوع في الإحسان إليه والذّبِّ عنه".
وأما الفرح المذموم فهو الذي "يبسط النّفسَ ويُلهِيها، ويُنسِيها عيوبَها وآفاتِها ونقائصَها".
"وأيضًا: فإنّ الفرح بالنِّعمة قد يُنسِيه المنعِمَ، ويشتغل بالخلعة التي خلعها عليه عنه، فيطفح عليه السُّرور حتّى يغيب بنعمته عنه. وهنا يكون المكر إليه أقربَ من اليد للفم".
"وممّا يدلُّ على أنّ الفرح من أسباب المكر ما لم يقارِنْه خوفٌ: قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً [الأنعام: 44]. وقال قوم قارون له: لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص: 76]. فالفرح متى كان بالله وبما منَّ الله مقارنًا للخوف والحذر لم يضرّ صاحبه، ومتى خلا عن ذلك ضرَّه ولا بدَّ".
وقد لخصنا ما سبق من كلام حسن جميل للإمام "ابن القيم" في "مدارج السالكين" (3/ 513 - 517).
والله أعلم.
تعليق