الحمد لله.
أولا:
إن كان المقصود بالمثلية والحب هنا هو حصول اللقاء الجنسي وجماع الذكر للذكر بالمطاوعة والتراضي بينهما.
فلا شك أن هذا جرم وذنب عظيم وهو نفس فعلة قوم لوط عليه السلام التي من أجلها حل عليهم العذاب العظيم، ولم يقيد تحريم هذا الفعل الشنيع بأنه "اغتصاب"؛ بل الاغتصاب جريمة منفصلة عن ذلك، سواء كان مع جنس واحد، أو كان مع جنسين، أو كان اغتصابا للنفس، أو المال، أو غير ذلك؛ فهذا كله حرام وكبيرة.
وأما نفس الفعل الشاذ القبيح، سواء كان رجلا مع رجل، أو امرأة مع امرأة؛ فإن هذا محرم، معلوم التحريم من الدين بالضرورة، لم يختلف أحد من أهل الإسلام في تحريمه وشناعته، ودل على تحريمه الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
وتسميته بالمثلية والحب والميل، كل ذلك لا يغير من حكمه شيئا.
وهذه المصطلحات المعاصرة لهذا الجرم، إنما حدثت تقليدا لأهل الكفر الذين يسعون في تهوين هذا الذنب في عيون الناس، لما علموا من شدة نفرة الناس منه إذا ذكر باسمه المعروف من سحاق ولواط، ودليل حرمته ثابت بالأدلة القاطعة، بالإجماع وبنصوص الوحي.
وقد تتابع أهل العلم على النص على الإجماع على حرمة هذا الفعل وأن صاحبه يستحق العقاب، وبيان أن الخلاف حاصل في نوع عقوبته فقط.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
" قال الله جل ذكره: (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ) الآية.
وجاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عَمِلَ عَملَ قومِ لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به).
وروينا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لعن الله من عمل عمل قوم لوط).
واختلف أهل العلم بعد إجماعهم على تحريم ذلك فيما يجب على من عمل عمل قوم لوط.
فقالت طائفة: عليه القتل، محصنا كان أو غير محصن.
وروينا عن أبي بكر الصديق، وابن الزبير رضي الله عنهما، أنهما أمرا أن يحرق من فعل ذلك بالنار.
وروينا عن علي، وابن عباس رضي الله عنهم أنهما قالا: يرجم.
وقال ابن عباس: وإن كان بكرا.
وبه قال جابر بن زيد، والشعبي، وربيعة، ومالك، وإسحاق... " انتهى من "الإشراف" (7 /286 – 287).
وقال القرطبي رحمه الله تعالى:
" واختلف العلماء فيما يجب على من فعل ذلك بعد إجماعهم على تحريمه " انتهى من "تفسير القرطبي" (9/274).
وقال ابن القطان الفاسي رحمه الله تعالى:
" واتفقوا أن وطء الرجل الرجل جرم عظيم.
واتفقوا أن سحق المرأة للمرأة حرام " انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (2 / 253).
ثانيا:
وأما ما ورد في السؤال عن قوم لوط أنهم "كانوا يغتصبون ..." .
فإن كان المراد أن فعلهم إنما صار قبيحا وفاحشة من أجل الاغتصاب والإكراه ، فهذا كلام باطل ، مخالف للقرآن الكريم ، والأحاديث النبوية ، وإجماع أهل العلم .
فآيات القرآن الكريم الواردة في شأن قوم لوط إنما دلت على أن هذه الفعلة منكرة وفاحشة ، ولم تتعرض لكونها بالإكراه أو التراضي .
فمن ذلك قول الله تعالى : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) الأعراف/80 - 82.
وقال الله تعالى:
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ النمل/54 – 56.
وقال الله تعالى: أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ الشعراء/165- 166.
ثالثا :
وأما إن كان قصدك بعبارة " الحب من نفس الجنس "، هو الميل الجنسي وإعجاب الذكر بالذكر ، والأنثى بالأنثى، من غير حصول جماع بينهما.
فهذا الفعل : لا شك أنه انحراف عن الفطرة السوية ، وعن شخصية الإنسان السوي المعتدل، وهو البريد الموصل للفاحشة، والطريق التي تؤدي بصاحبها إلى فعل السوء ، وعمل قوم لوط .
والواجب على من أحس في نفسه بشيء من ذلك أن يبتعد عن الأسباب التي تقوي هذا الانحراف، كالخلوة بمن يميل إليه ، أو التعامل معه ، بل الواجب عليه أن يبتعد عنه .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ رواه مسلم (338).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع...
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، وكذلك في المرأة مع المرأة) ؛ فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل.
وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان، وهذا متفق عليه، وهذا مما تعم به البلوى ويتساهل فيه كثير من الناس " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (4/ 30-31).
وعن بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟
قَالَ: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.
فَقَالَ: الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ؟
قَالَ: إِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ.
قُلْتُ: وَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا.
قَالَ: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ رواه أبو داود (4017)، والترمذي (2769) وقال: " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ".
وليُعلم أن النظر مفتاح للفاحشة وطريق إليها. قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" قال الله تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) الآية. فلما كان غض البصر أصلا لحفظ الفرج بدأ بذكره ... ولما كان النظر من أقرب الوسائل إلى المحرم اقتضت الشريعة تحريمه، وأباحته في موضع الحاجة " انتهى. "روضة المحبين" (ص 146).
وليجتهد المسلم في طاعة الله تعالى وتقواه، ودعائه أن يصرف عنه هذا السوء والفحشاء، وليجعل على باله دائما أن هذه الفاحشة سبب للعن والطرد من رحمة الله تعالى .
ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (7491)، ورقم: (166525).
والله أعلم.
تعليق