الحمد لله.
قال سبحانه: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ)التين/1-3.
أولًا:
اعلم أن المفسرين لم يختلفوا في أن البلد الأمين: مكة المشرفة، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت: 67].
قال "ابن كثير": "وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدًا صلى الله عليه وسلم"، انتهى.
انظر: "تفسير ابن كثير" (8/ 434 - 435)، "تفسير القاسمي" (9/ 498).
ثانيًا:
ذكر العلماء باللغة والتفسير أن الأمين بمعنى الآمن، قال "الفراء": "يريد: الآمِن، والعرب تَقُولُ للآمن: الأمين".
"معاني القرآن" للفراء (3/ 276)، وانظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة: (532)، "تفسير الطبري" (24/ 508)، "تهذيب اللغة" (15/ 367).
وقد ذكروا أيضًا أن "الأمين":
1- إما فعيل بمعنى فاعل، أي: أمين بمعنى آمن.
2- أو فعيل بمعنى مفعول، أي: أمين بمعنى مأمون.
وأما "الأمين" فقد قال "السمين الحلبي": "هذا فَعيل للمبالغةِ، أي: أمِنَ مَنْ فيه، ومَنْ دخله؛ مِنْ إنسِيّ وطيرٍ وحيوانٍ.
ويجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ أَمُنَ الرجلُ، بضمِ الميم، أمانةً؛ فهو أمينٌ.
وأمانتُه: حِفْظُه مَنْ دَخَله، كما يَحْفَظُ الأمينُ ما يُؤْتَمَنُ عليه.
ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى مَفْعول، مِنْ أَمِنَة لأنه مأمونُ الغَوائل"، انتهى.
"الدر المصون في علوم الكتاب المكنون" (11/ 52).
قال "الطاهر ابن عاشور": "والأمين بمعنى الآمن، والمراد: الآمن ساكنه، فوصفه بـ "أمين": مجاز عقلي، كما قال تعالى: وهذا البلد الأمين [التين: 3]"، انتهى من "التحرير والتنوير" (25/ 317).
والمجاز العقلي: "هو إسنادُ الفعل، أو ما في معناه (من اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو مصدر) إلى غير ما هو له في الظاهر، من حال المتكلم، لعلاقة، مع قرينة تمنع من أن يكون الإسناد إلى ما هو له"، انتهى من "جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع" (255).
والحاصل:
أن الأمين، هي بمعنى: الآمن. لكن لم يعبر بـ"الآمن" في وصف البلد، لأنه لم يُسمع عن العرب ذلك، كما قال بعض أهل العلم.
انظر: "حاشيه الشهاب على تفسير البيضاوي" (8/375)، تفسير الألوسي" (15/393).
أو لأن: الأمين، أبلغ من "آمن"؛ لأنه صفة مبالغة، كما هو معلوم من صيغة "فَعيل"؛ فدل ذلك على عظم الأمن فيه، وتعظيم حرمة ما فيه، ومن فيه، والتحذير الشديد من انتهاك ذلك، أو إخافته، وإخافة أهله.
والله أعلم.
تعليق