الحمد لله.
اختلف أهل العلم في تفسير الخبائث في الآية الكريمة: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ الأعراف/ 157، فمنهم من جعلها خاصة بالمطعومات الحسية، ومنهم من جعلها عامة تشمل كل محرم، وهو مذهب مالك.
قال ابن الجوزي رحمه الله في تفسير قول تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)" وفي الخبائث ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الحرام، فالمعنى: ويحرِّم عليهم الحرام.
والثاني: أنها ما كانت العرب تستخبثه ولا تأكله، كالحيات، والحشرات.
والثالث: ما كانوا يستحلُّونه من الميتة، والدم، ولحم الخنزير" زاد المسير في علم التفسير (2/ 161).
وقال القرطبي رحمه الله "قوله تعالى: (ويحل لهم الطيبات): مذهب مالك أن الطيبات هي المحللات، فكأنه وصفها بالطيب، إذ هي لفظة تتضمن مدحا وتشريفا.
وبحسب هذا نقول في الخبائث: إنها المحرمات" "تفسير القرطبي" (7/300).
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسير الآية الكريمة المشار إلى جزء منها في السؤال: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ احتراز عن سائر الأنبياء، فإن المقصود بهذا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم.
فأعظم دليل يدل على أنه رسول اللّه، ما دعا إليه وأمر به، ونهى عنه، وأحله وحرمه، فإنه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ من المطاعم والمشارب، والمناكح.
وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ من المطاعم والمشارب والمناكح، والأقوال والأفعال" انتهى، من "تفسيره" (ص305).
فالآية لا تختص بالمطاعم والمشارب بل هي عامة في المطاعم والمشارب والمناكح والأقوال والأفعال.
ويرى بعض أهل العلم أن كل ما كان ضاراً ضرراً حسياً أو معنوياً فـإنه من الخبائث، ويستدلون بقوله تعالى وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ على تحريم كل خبيث حساً أو معنى.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: " فقد حرم الله في هذه الآية وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ: كل خبيث، فكل ما يستخبث أو يضر فإنه لا يحل، والخبث والضرر يعرف بآثاره وما يترتب عليه من المفاسد".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "ومما ورد الشرع بتحريمه ما كان خبيثاً ضاراً، كما قال الله تعالى في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) فما ثبت أنه ضار بالبدن أو بالعقل سواء ضرت البدن بأمراض مستعصية، أو تُخِل بتفكيره فهي محرمة" انتهى بتصرف يسير من "فتاوى نور على الدرب" (20/ 2 بترقيم الشاملة).
وعليه، فإن الاستدلال بقوله تعالى: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ على تحريم الفواحش الأخلاقية والإباحية سائغ، ولا غبار عليه، خاصة إذا ما استصحبنا أمرين:
- الآية الكريمة التي تبين أن الفساد الأخلاقي والإباحية من الخبائث، وهي قوله تعالى: وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ۗ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ [الأنبياء:74].
- القاعدة التفسيرية (إذا احتمل اللفظ معاني عدة ولم يمتنع إرادة الجمع، حُمل عليها)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا احتمل اللفظ معنيين بدون تضاد حمل عليهما" انتهى من "تفسير العثيمين: آل عمران" (1/ 392).
والله أعلم .
تعليق