الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل الدجال عظيم الخلقة أم قصير القامة؟

469068

تاريخ النشر : 30-01-2024

المشاهدات : 2844

السؤال

سؤالي عن وصف الدجال، فعندما وصف الصحابي الجليل تميم الداري رضي الله عنه الدجال، قال عنه: " فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقاً، وَأَشَدُّهُ وِثَاقاً، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ"، لكن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم يختلف عن وصف الصحابي، فقد قال: إن مسيح الدجال رجل قصير، أفحج، جعد، أعور مطموس العين، ليست بناتئة، ولا حجراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور؟

الجواب

الحمد لله.

روى الإمام مسلم (2942) عن فَاطِمَةَ بِنْت قَيْسٍ، أنها قالت: "سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي، مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ. ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟  قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ:  إِنِّي وَاللهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ. حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَؤُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ، فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا ‌الْجَسَّاسَةُ. قَالُوا: وَمَا ‌الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ، انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ. قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا، فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟… قَالَ: … إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ، فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا… .

فهذا الخبر يثبت أن من صفة الدجال عظم الخلقة.

ويشهد له ما ورد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ، سَبِطُ الشَّعْرِ، بَيْنَ رَجُلَيْنِ، يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً - أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً - قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ، فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ، جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ، أَعْوَرُ الْعَيْنِ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الدَّجَّالُ، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ رواه البخاري (3441)، ومسلم (171).

وعَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ رَهْطٍ، مِنْهُمْ أَبُو الدَّهْمَاءِ وَأَبُو قَتَادَةَ قَالُوا: كُنَّا نَمُرُّ عَلَى هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ، نَأْتِي عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، فَقَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: إِنَّكُمْ لَتُجَاوِزُونِي إِلَى رِجَالٍ، مَا كَانُوا بِأَحْضَرَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِحَدِيثِهِ مِنِّي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:  مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ رواه مسلم (2946) وفي رواية له:  أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ.

قال القرطبي رحمه الله تعالى:

" وقوله: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال) ‌ظاهر ‌هذا ‌كبر ‌الخلقة ‌والجسم ... وكذا قال تميم رضي الله عنه في خبر الجساسة: ( فإذا أعظم إنسان رأيناه )... " انتهى من "المفهم" (7/291).

وأمّا ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (37 / 423)، وأبو داود (4320)، والنسائي في "الكبرى" (7 / 165)، وغيرهم: عن بَقِيَّة بْن الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي بَحِيرٌ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:  إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ ‌قَصِيرٌ، أَفْحَجُ ، جَعْدٌ، أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ، فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ .

فهذا الحديث في إسناده بقية بن الوليد، ومع أن جمهور أهل العلم على توثيقه؛ إلا أنه موصوف بأنه يدلّس تدليس التسوية.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى:

" وأما من روى عن ضعيف، فأسقطه من الإسناد بالكلية؛ فهو نوع تدليس.

ومنه ما يسمى "التسوية"، وهو أن يروي عن شيخ له ثقة، عن رجل ضعيف، عن ثقة، فيسقط الضعيف من الوسط.

وكان الوليد بن مسلم، وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك " انتهى من " شرح علل الترمذي " (2/825).

وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى:

" تدليس التسوية وهو: أن يسقط غير شيخه، لضعفه أو صغره، فيصير الحديث ثقة عن ثقة، فيُحكم له بالصحة، وفيه تغرير شديد.

وممن اشتهر بذلك: بقية بن الوليد، وكذلك الوليد بن مسلم، فكان يحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء، ويبقي الثقات، فقيل له في ذلك؟ فقال: أُنبِّل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء! . فقيل له: فإذا روى عن هؤلاء وهم ضعفاء، أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت، وصيّرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات، ضُعِّف الأوزاعي؟ فلم يلتفت الوليد إلى ذلك القول.

وهذا التدليس أفحش أنواع التدليس مطلقا وشرّها" انتهى من "الباعث الحثيث" (ص 177).

ومن كانت هذه حاله، فيشترط لقبول خبره أن يصرح بالتحديث عن شيخه، وشيخ شيخه.

وهنا صيغة التلقي بين شيخه وشيخ شيخه ليست التحديث، وإنما ( عن )؛ حيث قال: ( حَدَّثَنِي بَحِيرٌ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ)؛ وبهذا السبب ضعّف محققو المسند هذا الخبر.

فعلى القول بضعفه، فلا تتم المعارضة بينه وبين حديث تميم الداري؛ لأن من شرط تعارض الخبرين، صحتهما جميعا.

وأما على قول من يصحح هذا الخبر، وينفي عن بقية بن الوليد تدليس التسوية.

فقد جُمِع بين الخبرين بأمور:

الأمر الأول: أن العظمة في الخلق راجعة إلى جثته، وليس إلى طوله، فيكون شديد ضخامة الجسم مع القصر.

الأمر الثاني:

أن يكون بداية عظيم الخلقة، ويسلبها عند خروجه فيكون قصيرا، فحديث تميم متعلق بحاله قبل خروجه، وحديث عبادة بن الصامت وصف للدجال حال خروجه.

الأمر الثالث: أن يكون في أصله قصير الخلقة، لكن له قدرة على الانتفاخ فيصبح عظيم الخلقة. وكذلك كان شأن ابن صياد الذي كان في عصر النبوة، واختلف فيه هل هو الدجال أم لا.

فروى الإمام مسلم (2932) عَنْ نَافِعٍ قَالَ: " لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ ، ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ قَوْلًا أَغْضَبَهُ، فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ، فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: رَحِمَكَ اللهُ، مَا أَرَدْتَ مِنِ ابْنِ صَائِدٍ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ ‌غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا.

قال الطيبي رحمه الله تعالى:

" قوله: ( قصير ) وجه الجمع بينه وبين قوله في الحديث السابق: ( أعظم إنسان رأيناه ) أنه لا يبعد أن يكون ‌قصيرا ‌بطينا ‌عظيم الخلقة، ويحتمل أن الله تعالى يغيره عند الخروج " انتهى من "شرح المشكاة" (11/3467).

وقال القرطبي رحمه الله تعالى:

" حديث أبي داود في وصف الدجال: أنه قصير أفحج.

وإنما يكون قصيرا بالنسبة إلى نوع الإنسان، فمقتضى ذلك: أن يكون فيهم من هو أطول منه، ولهذا قيل: إن وصفه بالأكبرية إنما يعني بذلك عظم فتنته، وكبر محنته؛ إذ ليس بين يدي الساعة أعظم ولا أكبر منها.

ويحتمل أن يريد به: أنه ينتفخ أحيانا حتى يكون في عين الناظر إليه أكبر من كل نوع الإنسان، كما تقدَّم في شأن ابن صياد أنه انتفخ عن غضبه حتى ملأ الطريق، والله أعلم بحقيقة ذلك " انتهى من "المفهم" (7/291).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب